دموع فقدت نكهتها

البداية:

حين نبدأ نبدأ من الأمل.. وحين ننتهي ننتهي إلى الألم؛ لأننا دائمًا نرفض أن نسأل أنفسنا: لماذا ننتهي دائمًا كما ينتهي اليوم، ولماذا يكون سفرنا طويلاً جدًّا حين تنعدم محطات وصول آمنة في حياتنا؟ تاريخ المآسي مقبرة، والعابرون كثر والشوق للموت صار يضاهي ذلك الشوق المخزون إلى الحياة أو ربما إلى الأمل، ذلك الأمل العابث الذي راودنا، ولم نجد له أي تفسير وسط ركام التفاصيل المقرفة.. لماذا ينتبه الناس لكل الأشكال والألوان ومختلف التزاويق، ولا ينتبهون إلى عمق الأشياء؟ ولماذا تنتهي السعادة حين تكون في ظلال الخفاء؟ ونظل نهرب دائمًا من سؤال يراودنا في أعماق خيالاتنا الواسعة: لماذا حين نحب بقوة ينهينا القدر بضعف؟ ولماذا أكلت القطط ألسنتنا وأكلت الفئران قوتنا وإيماننا، وأورثنا بقايا جبنها الصدئ؟ وحين أردنا أن نصرخ في وجه هذا الزمن وهذه الخيبات؛ وجدنا أننا لا نصرخ إلا في أوجه أنفسنا.

 

الحقيقة

الحقيقة لا تملك قلبًا لتجرحه، إنها تجرح القلوب دائمًا؛ لأن هذه القلوب لطالما آمنت بحقائق غير الحقائق، وصدقت أشياء غير الأشياء، وتمنت أمنيات غير الأمنيات، ولعبت الحبل في ناصية شارع غير الشارع.. لطالما حلمت، وقالت وتفوهت وهرطقت...ولكنها نسيت أن الحقائق التي آمنت بها ليست حقائق، وإنما مجرد خزعبلات أوهمنا أنفسنا الضيقة بحقيقة أنها الحقيقة، في حين أننا حين نعلم بمعرفتنا المسبقة للحقيقة نكون قد حققنا أكبر إنجاز في فن الكذب والمراوغة على الذات.

 

الحب

الحب كائن زئبقي، لكنه ينفذ بسرعة إلى القلوب، ربما يحطم ويكسر، وربما يجمع ويلملم البقايا ويعيد الترميم والبناء، لكنه في النهاية يبقى خجولاً قابعًا في طي الكتمان والضجر. الحب لم يعد متمردًا جامحًا ثائرًا، الحب صار رجلاً يستمد قوته من هروبه واختبائه، إنه لا يملك الجرأة؛ لكي يواجهه العالم والآخر، والقول إنني الحب أعلن وجودي واحتلالي لهذه القلوب التي تتنفسني وتعشقني، أنا الحب صرت أخاف من ظلي، وأخاف أن يرميني الأطفال بالحجارة ويرميني الكبار بالرصاص.

 

النهاية:

حين نسعى إليه نجد أن الوقت تاه أحيانًا. وحين نكون قد اكتفينا من الآن والوقت، ونكون قد عثرنا على رونق وبهاء الأشياء، ونكون قد قررنا البدء من جديد أو من أول السطر، تداهمنا فكرة الرحيل بشكل مفاجئ... أو حتى مباغت، ولا تسأل ولا تستأذن ولا حتى تطرق الباب، لا تدخل من نافذة، ولا تطل عليك حتى بتحية، الرحيل لا يفعل شيئًا غير استنزاف المحارم، وتركنا تائهين وسط زحام من التفاصيل وركام من الأغراض التي نحاول جمعها عبثًا فقط لنكتشف أننا نسينا قلوبنا في الأمكنة التي ظننا أنَّا سنغادرها يومًا وحدنا، بالنهاية لسنا نغادر وحدنا، فقد تركنا وراءنا قلوبًا تحترق شوقًا إلينا..