|
التقت حماسة شباب مدرسة البنين مع مدرسة البنات.. وكانت مظاهرة كبرى ترحب باندحار زمرة الانفصال وعودة البلاد إلى حضن عبد الناصر..
كلنا صدقنا أن الوحدة عادت بين سورية ومصر.. وفي المساء عرفنا أن الوحدة لم تعد وأن الحركة اسمها ثورة 8 آذار.. التي لاقت ترحيباً واسعاً بين أفراد الشعب ألا يكفي أنها خلصتنا من قلة يحبون الانفصال عن كل ماهو عربي؟
يومها جلست أمام التلفزيون و كأنني من خطط و نفذ هذه الحركة.. لأتابع ما يجري.
تمر الأيام و السنين و أنا في تواصل خفي مع هذا الزعيم ألتقط أخباره و انتصاراته وانكساره مما اضطره ليعلن تنحيه عن الحكم وليس عن الزعامة .. فالزعامة شيء خاص من الله لا يستطيع أحد أن ينتزعه أو يمنحه.
وتبكي مصر كلها وتفترش الأرض قرب منزله ولا ترضى بزعيم آخر.. يعود ليقود مهامه الصعبة في ذلك الوقت.
إذاعة صوت العرب كانت رفيقتي الدائمة .. وليتني يومها لم أسمعها وهي تصعقنا بخبر لم يتحمله أي عربي ولا صديق حتى ولا عدو.. رحل عبد الناصر.. مات عبد الناصر.. اختفى آخر الزعماء».
الدموع جفت والقلم جف والوطن العربي بدأ يلحقه الجفاف ..
علمت أن شاباً سورياً كان من ضمن من تعلموا كيف يقاومون المحتل بالعقل والسلاح بمدرسة مصرية يزور عبد الناصر ويجلس معه.
عبد الناصر كان يحب هذا الشاب السوري ويتلمس فيه صفات الزعامة الصحيحة.. وبدأت أتابع ذلك الشاب السوري.. لم أره.. خبر من هنا وخبر من هناك ليبدأ إعجاب لم يصل إلى مرحلة الحب بعد.
قلبي لم يخذلني به وهو الذي تعوّد على حب الزعماء .. قلت في نفسي الزعماء الحقيقيون لا يموتون..
رحم الله عبد الناصر الذي أحب حافظ الأسد.. وحكاية العشق التي لم تنته.
قلتُ في بداية حديثي، إنني لستُ سياسية ولا أفهم بالسياسة.
فقط أتكلم عن الحب.. هل هناك أحدٌ يمنعني أن أحبَ حتى ولو كان زعيمًا؟! فالقلب وما يهوى.
قلبي الذي كان يخفق بشدة وهو في جسم لا يتجاوز السابعة من عمره، حين التقى عبد الناصر.. تعوّد حبَّ الزعماء المخلصين.. وكبر وهو يبحث عنهم أينما وُجدوا في العالم..
في الخامسة عشرة من عمري، صحوت وأنا مرعوبة من حلم مخيف سأقوله لأول مرة..
«كنت جالسة بغرفة تُطل على شارع لا أعرفه، أتحدث مع رجل أسود وأنا بغاية الاهتمام، بدأ إطلاق رصاص على هذا الرجل الأسود وتهاوى من كرسيه على الأرض.. صرخت: قتلوا مارتن لوثر كينج!!»
سميت بالله وشربت ماءً.. وأنا أتساءل من هو مارتن لوثر كينج؟!
بعد يومين، سمعت الجواب من إحدى الإذاعات.. اغتيال مارتن لوثر كينج.. المحامي عن الإنسان بكل أشكاله وألوانه..
من يومها أحببت هذا الرجل البعيد القريب وكان له موقع في قلبي..