سر التفاؤل


يمكن أن أعيش بدون تفاؤل، لا يمكن أن أعيش بدون أمل، لا يمكن أن أعيش بدون حلم كبير. هذه هي مبادئي في الحياة، أمي كانت مفتاح الأمل وعنوان التفاؤل، وبذرة النجاح في حياتي، وأذكر أنه قبل حضوري للقاهرة، قمت بإرسال بعض المقطوعات الشعرية للشاعر الكبير صلاح جاهين، رحمه الله، بجريدة الأهرام، لأعرف رأيه، ولم يخطر ببالي أن أجدها منشورة، بل وجدت إحدى هذه المقطوعات تتحول لأغنية تذاع في الراديو، فاندهشت، وتوجهت لصلاح جاهين، فقال لي إن الأستاذ محمد حسن الشجاعي «مدير الإذاعة» يبحث عنك في كل مكان. فتوجهت له، وكلفني بكتابة ثلاث أغنيات، واحدة عن السد العالي، وقام بغنائها الراحل محمد قنديل، والثانية تذاع حتى اليوم كل صباح بصوت نجاح سلام في برنامج «طريق السلامة» بالراديو، وهي «بالسلامة يا حبيبي بالسلامة». والأغنية الثالثة هي أول عمل جمعني بمحمد رشدي «تحت الشجرة يا وهيبة» والتي حققت نجاحاً مدوياً في حينها.

وأذكر أن الأغنيات الثلاث كتبتها في يوم واحد، فقد كنت في هذا الوقت أسكن في عوامة «بالكيت كات» أنا ومجموعة من الأصدقاء، ولأننا كنا على فيض الكريم، ولا نملك شيئاً، كان زميلنا الناقد الراحل، سيد خميس، يتطوع بدفع الإيجار، وحينما توجهت لهم وأبلغتهم بتكليف مدير الإذاعة لي بكتابة ثلاث أغنيات فرحوا بشدة، وتركوا لي العوامة يوماً كاملاً لكي أكتب في مناخ هادئ تماماً، لكن بعد خروج الأغنيات الثلاث، وخاصة «تحت الشجر يا وهيبة» لم يكتب لها النجاح بصورة سلسة، لكنها واجهت التحديات التي تجابه أي عمل ناجح، فأذكر أن الأستاذ الشجاعي لم يبد ارتياحاً لكلماتها، وأعادها لي مؤكداً أن الموسيقار منير مراد، وغيره من الملحنين، رفضوها لكونهم لم يستوعبوا كلماتها، فاقترحت عليه أن يعطيها للملحن الصعيدي عبد العظيم عبد الحق، لأنه مثلي وسيفهم معناها، فاستجاب الشجاعي لطلبي، وبالفعل لحنها عبد العظيم عبد الحق ببراعة، وأعجب بها الشجاعي، وسألني: من الذي في رأيك يمكن أن يغنيها؟ فأجبته على الفور قائلاً: هو شخص واحد فقط الذي غنى أدهم الشرقاوي. فقال لي الشجاعي، ولكن هذا المطرب تعرض لحادث حافلة أثناء سفره للسويس، لإحياء حفل هناك، حيث انقلبت الحافلة وماتت في الحادث المطربة نادية فهمي، ولا يستطيع الغناء الآن، فقلت له: الحادثة كما أعرف كسرت ذراعه وساقه، ولكن هل كسرت صوته؟ فقال لي: إذن عليك أن تذهب وتبحث عنه وتحضره طالما أنك مُصر عليه، وعلى الفور توجهت لمعهد الموسيقى العربية لأحصل على تليفونه، ولأنني كنت شخصاً مجهولاً أذاقوني الأمرين، ورفضوا إعطائي رقم هاتفه، وأمام إصراري طلبوه لي هو هاتفياً.

وبرغم شعور رشدي بملل وعدم ارتياح، لكني كنت أحبه، وبعد إلحاح شديد مني أعطاني موعداً في مقهى التجارة الشهير بتجمع المطربين والموسيقيين في شارع محمد علي، وحينما ذهبت إليه وجدته يعاملني بتعالٍ وأسلوب ضايقني جداً.

وتجاوزت ذلك، وغنى رشدي، وحقق بالأغنية نجاحاً مبهراً، ومن هذه اللحظة أصبح التفاؤل زميلاً حميماً لي، وجدتني فجأة مؤلف أشهر أغنية في مصر. بعدها انطلقت مع بليغ حمدي وشادية وعبد الحليم.

وبدون أن أطيل، فالتفاؤل هو من صنع الإنسان، عندما تؤمن بموهبتك وقدرتك على تخطي المصاعب والأزمات، أياً كان حجمها، وأذكر من الأقوال المأثورة، أن لكل مصيبة ثلاث فوائد: الأولى أنها لم تكن أكبر من ذلك، والثانية أن الله يؤجرك بالصبر عليها، والثالثة أنها لم تكن في الدين. فالتفاؤل يكسبك مناعة ضد الفشل في الحياة، ويجعلك تقاوم الأمراض والأعداء. اللهم امنحنا سر التفاؤل حتى نستطيع الاستمرار في الحياة.