الأرض في مدار، المريخ في مدار، أحيانا يدنوان من بعضهما خلال مسار كل منهما، القرب المتكرر كل خمسة عشر عاما أرضية، المستوى الثاني بعد مائتين وأربعة وثمانين عاما، أما ما حدث صباح اليوم فلا يتكرر إلا كل ستين ألف سنة تقريبا، لا أعرف موقعي الآن وأنا شاخص من الشرفة، تماما كما أجهل جدودي الذين ربما يطلعون من كهوفهم إلى السماء لو أن أحدهم أدرك الظهور الاستثنائي كما أراه الآن، ترى.. ماذا جال بعقولهم؟ هل شعروا بالخشية، هل تلا بعضهم تعاويذ معينة، أم اكتفوا بهمهمات غامضة؟ هل اتخذوا إجراءات معينة؟
أي فراغ يعبره بصري الآن ليحتوي الكوكب بالنظر؟
أي مخاطر تجتازها نظراتي؟
الأشعة الكونية، حزام الكويكبات، القطع الصخرية الضالة، بقايا الفوضى الأولى، فوضى ينظمها قانون أبدي، كوني، هل احتمال الكارثة وارد مع قصر المسافة؟
المسافة المعتادة حوالي ثمانية وسبعين مليون كيلو متر، عند ذروة القرب تبلغ خمسة وخمسين مليون كيلو متر تقريبًا.
سألت صاحبي عن السرعة التي يتحرك بها كلاهما، قال إن المريخ الآن يبتعد بسرعة أربعة وعشرين كيلومترا في الثانية، أما الأرض فتمضي بسرعة ستين كيلو مترا في الثانية، إذا علمنا أن سرعة طلقة المسدس حوالي سبعة وسبعين مترا في الثانية، فهل يمكننا تخيل السرعة التي يسبح بها كل منهما في المدار؟ في ذلك المسار البيضاوي، كل مسارات الأجرام بيضاوية، المجرات بيضاوية، هل البيضة رمز للكون؟
أتأثر لانتمائي إلى النوع الإنساني، ماذا يعني اقتراب المريخ للكائنات الأخرى؟ لكنني أتوقف وأستدعي إلى الذهن الكلاب التي تجري وتنبح قبل الزلازل، ألا يمكن أن تكون لهذه الكواكب لغة ما؟ ربما يجري حوار بين الأحمر والأزرق والأصفر وأبعد أجرام السماء؟ لمَ لا؟ هل سيتقن البشر تلك اللغات؟ لم لا؟ ألم أرَ الرجل ذا المنظار في مراكش يخاطب الزرزور، ويستفسر من الحوت، ويأمر اليمام بالرحيل ثم يستدعيه، ويصفر إلى أسرار جهة يفضي البلبل إليه، لو لم أره وأسمعه بحضور الصَحْب لما صدّقت، لماذا أنفي إمكانية الحوار بلغة ما، بمفردات ما بين الأجرام.
يمضي الوقت وبصري عالق، لو أن أحدهم هناك، فلابد أنه يتخذ وضعي عينه، أنا متطلع، وهو يتطلع مع أن كلينا شاخص إلى الآخر، بعد ستين ألف سنة لن أكون إلا مجرد احتمال سرياني الآن، أرنو إلى البشر الذين سيسعون في هذا الزمن المقبل، هل سيكون بينهم من يمتُّ إلى؟ هل سيلم بطرق عني، أم سيجهلني تماما كما أجهل أولئك الذين تطلعوا مثل تلك الليلة مثلي منذ ستين ألف عام لو أنهم انتبهوا وأدركوا.