وجهتي
أول سعيي إلى مرقد «أبو الفيض ذو النون الإخميمي»، أعرف من المراجع مرقده، لكن صاحبي المطلع رجّح ذلك الكائن في قرافة الشيخ عقبة، بعد زيارة مثوى والديَّ سعيت إليه، أمام حذفن الإمام الليثي، تحت شجرة عتيقة، غامقة الجذور يجلس رجل أشيب اللحية، يبدو مغمض العينين، لكن عند اقترابي اكتشفت تطلعه إلى أسفل، يتطلع إليَّ بعد إلقاء السلام، أستفسر عن الطريق إلى مرقد «ذو النون»، يقول:
«وجه روحك وستصل إليه بإذن الله..»
يقول:
«اقرأ سورة يس والفاتحة وتوكل على الله ستصل إليه..»
يقول:
«عندما تتوجه إلى الصالحين، سيجيء المدد»
يقول:
«عندما أقصد السيد أحمد البدوي أقرأ الفاتحة فألقى دراويش المحبة يساعدونني على جانبي الطريق حتى وصولي..»
يقول:
«إذا لم توجه روحك فلن تصل أبدًا، حتى لو وصلت..»
كدت أهتم بالاستمرار في طلب التوضيح ومزيد من الإفصاح، لكنه أشار بحزم: وجه روحك.
نسيمة
كل النسيمات، كافة الأمواج على سفر، لكن من أين وإلى أين؟ من أين تنبع تلك الهبات الرقراقة التي تمسني مسًا؟
أين تبدأ النسيمة الأولى؟
من أين يبدأ رحيل المويجة؟ عند أي نقطة تشرع الحركة الأولى؟
مَن يحرك مَن؟ الرياح أم الأمواج؟
لا أدري أين قرأت، لا أدري من أطلعني على موعد هبوب رياح عنيفة بالغة السرعة محملة بالرمال، تهب على سطح المريخ فتحجبه عن رؤية الراصدين، فيما بعد انتبهت إلى زمن الهبوب هناك، إنه عين الوقت هنا، وقت الخماسين، أيهما المصدر؟ أم هناك مصدر خفي كامن في موضع ما، زمن ما في عمق تلك الأكوان، هل ترحل تلك الرياح عبرها؟
من أين تجيء تلك النسيمة التي مست وجنتي عند عبوري ميدان الحسين –رضي الله عنه- لحظة اتجاهي لزيارته مهدهدًا بالرضا والوثوق، متقبلاً كل مصير، ليتها تمضي بي بعد أن أثارت عندي تلك المودة مع الوجود، ذلك الرضا الأثير، بكل ما ستصير إليه المقادير، لم تكن وجنتي إلا مجرد محطة في مسار تلك النسيمة السارية، ملّست عليَّ وأودعتني هذا التسليم بما كان وما سيكون من نثار المحو.