لفتت انتباهي من بعيد. لم تكن تمشي. كانت تطير وتلمس بالكاد أرضية الرصيف المتآكل بكعبها العالي، الذي يزيدها طولاً على طول. أجنبية ممشوقة القامة، رشيقة الخطوات، ترتدي سروالاً قصيرًا وقميصًا صيفيًا، وتضع قبعة أنيقة على شعرها.
اقتربت، ولفت نظري شيء ما في حركتها. شيء غير طبيعي.
توقفت أمام واجهة المحل. نظاراتها الشمسية الكبيرة تلتهم نصف ملامحها.
«زبونة أجنبية!» هللت زهرة باسمة. وانفرجت شفتاي.
التفتت حولها، وتحررت بضع خصلات من شعرها المعقوص تحت القبعة. خصلات شقراء، ناعمة، جميلة. نظرت إلينا، وعضت شفتها السفلى بشيء من التوتر.
بدت مترددة. الأجانب لا يحبذون أن يضغط الباعة المحليون عليهم. لن أخرج إليها. ولن ألح عليها لتدخل، وتتفرج على المعروضات.
نظرت لمساعدتي زهرة. قرأت ما يدور في رأسي، وتنهدت، وعادت تراقب الأجنبية خلسة وتضفر خيوط القصب.
تجولت حولي في الأمتار المربعة الضيقة التي تكون محلي. رتبت المعروضات، واسترقت النظر أنا أيضًا للأجنبية الجميلة التي لم تتحرك من أمام الواجهة الخارجية.
عانيت الأمرّين لأنفذ مشروعي. قعدة البيت لم تعد تلائمني. ومعاش المرحوم لا يسد طلبات أولادي الثلاثة الذين يكبرون. اقترضت من هناك وهناك، واستأجرت هذا المحل، وانصرفت لصنعة السلال والحقائب التي لا أعرف غيرها.
جدتي -رحمها الله- علمتني إياها.
وزهرة، قريبة أولادي البعيدة، تتقنها مثلي، وربما أكثر.
فتحت الأجنبية فمها فجأة، وقالت شيئًا عبر زجاج الواجهة. لم تنطق. لم أسمع صوتها. لكنها حركت شفتيها بشكل واضح، وكأنها تطلب شيئًا.
لم أتردد. خرجت إليها، وابتسمت عندما رأتني أقترب.
أمسكت بذراعي، وهمست بالإنجليزية، وطبعًا، لم أفهم شيئًا مما قالته.
أشارت بحركة خاطفة إلى الأسفل، إلى قدميها، ونظرت إلى حيثُ أشارت، ولمحت كعب الحذاء العالي المكسور.
ابتسمت وهممت بالانحناء لتفقده، ومنعتني بقوة. وعادت ترطن بالإنجليزية، وتشير بعينيها خلفها.
تنهدت، وتركتها تستند عليّ، وتتقدم معي إلى داخل المحل.
أجلستها، وحاولت أن تتحدث إلينا بإنجليزية بطيئة مطعمة ببعض الكلمات الفرنسية. أزالت قبعتها، ورفعت نظارتها فوق رأسها، وصاحت زهرة. النجمة المشهورة! دخلت إلى محلنا أشهر ممثلاث هوليوود. ألا أعرفها؟ لا يمكن. هي... هي نفسها... في بلادنا؟ في مدينتنا؟ في محلنا؟
ابتسمت المرأة، واحمر وجه زهرة، وبدأت أفهم ما تحاول أن توصله لنا.
ثمة من يلاحقها. صحافيون أو ما شابه. ولا ترغب في أن يصوروها وهي تعرج بحذاء مكسور الكعب.
قامت زهرة في لمح البصر، وأحضرت الصمغ، وانكبت على الكعب تعيد إلصاقه بمهارة. حضّرت بعض الشاي، وبقيت النجمة تتفرج على المعروضات.
خرجت أخيرًا، تمشي بخيلاء، وفي يدها إحدى مصنوعاتنا، حقيبة قش صغيرة مزينة بأزهار مجففة. صورها متعقبوها، وتفرج العالم عليها، ونالت «حقيبتنا» نصيبها من الشهرة، وانهالت الطلبات على منتوجاتنا.