أناقتك ليست مجرد ألوان متناغمة، أو جمال محتشم. عقلك أنيق بثقافته وتفكيره المنظم.
تجمعين معارف شتى، وترين العلاقات بينها، في عمق وقدرة على التفكير المستقل، وإبصار الصلات الخفية بين الظواهر التي تبدو بعيدة تماما إحداها عن الأخرى.
تقرأين كل شيء: الفلك، الأدب، التاريخ، السياسة، وكتبا أخرى يصعب تصنيفها، تلتقطها عينك الخبيرة، مثلا: اللغات السرية للنشالين والمتسولين والعوالم، الأمثال العامية، علم الفراسة، السحر وتحضير الجان.
لا تترفعين أن تقرأي بعض ما يبدو خرافة أو حتى دجلا. تقرئينه لا بعين المصدق بل بفضول الطفل وتفحص الناقد الخبير، الذي يميز الهراء من الحق، ويضع ما يبدو سخفا في إطار تاريخي شامل؛ ليصير مادة تراثية مفيدة كعنصر تفصيلي في لوحة عصر أو حضارة ما.
أسمعك وأراك تتحدثين في المساء، بين أصدقائك اللامعين، من رجال ونساء ينتجون الثقافة أو يستهلكونها بنهم، في ثياب بسيطة، لكنها شديدة الأناقة، وقورة رغم أنها تليق بشابة جميلة، أسمعك فأدرك أنك عاشقة للموسيقى الكلاسيكية؛ لأن كلامك مثلها كله تناغم ونظام محكم، متنوع بين فنون وعلوم وآداب، لكن تجمعه وحدة الفكر والرؤية واللغة، لغتك أنت، أسلوبك الرفيع في الكلام، فيأتي سيمفونية أوركسترالية متكاملة، فيها فقرات للبيانو وللكمان، أو لمجموعات من تلك الآلة أو هذي، وفقرات للاحتشاد الموسيقي لكل الآلات، عندما تسمو بك الفلسفة فوق كل فروع المعرفة، فترين العلاقة بين قصائد محمود درويش ومقتل مارتن لوثر كنج، بين الثورة الفرنسية وموسيقى بيتهوفن، بين موسيقى موزار وعهد الإقطاع، ترين كل هذا من فوق، كالمطل من شرفة قصر يربض فوق جبل، تحته السفح منبسط بقراه وحقوله وغدرانه.
أراك في خيالي حين أنفرد بنفسي شابة جميلة، لكن الشعور الذي تبعثينه في نفسي هو في المقام الأول الاحترام، ربما الإجلال وتلك مبالغة أعترف بها، لكنك تبقين نموذجا عاليا للمرأة العربية، أتمنى أن تحتذيه فتياتنا، أو بعضهن على الأقل، فلسنا جميعا مخلوقين بنفس المواصفات والقدرات، ولا نصلح كلنا لنفس الشيء، بل خلقنا الله أنماطا كل واحد منها يصلح لنشاط إنساني.
ما أقصده هو المعنى الذي تمثله هذه الفتاة الجميلة (التي تضحك بدلال كمن في سنها، وليست «رجولية» كالصورة التي يرسمها الناس للمرأة المثقفة)، معنى أن عدم القناعة بالقدر الذي نملكه من المعرفة كنز لا يفنى، أن الاستماع إلى الموسيقى، أو عزفها عمل لا يقل أخلاقية عن احترام الكبير والحنان على الصغير ومساعدة الفقير، أن معارض الفن التشكيلي بهية كشروق الشمس وغروبها وليالي بدر التمام، والوقوف أمام البحر. كذلك صوت البيانو، وكليلة ودمنة، وكتاب الأمير لماكيافيللي، وتراجيديات شكسبير، ورأس نفرتيتي، ومحاورات سقراط –كلها حالات من الجمال، والعلم والحق- وكل هذا خير.
هل تعلمين يا صديقتي العزيزة أن عادة الاستماع إلى الموسيقى تجعل الإنسان أفضل؟ إنها تهذب أخلاقه مثلما تهذب حسه الجمالي؟ فما الفضيلة إلا الجمال الأخلاقي إذا أردنا تعريفها في كلمتين. صدقيني، إنك إذا أحببت الجمال تصيرين أجمل، تشعين كألماسة في المساء حين تجلسين بين الأصدقاء، كلماتك لؤلؤ يخرج من لؤلؤ. كلما عزفت أكثر –دون محاولة استعراض معارفك- تصيرين أجمل، تماما كتلك الغادة التي تقرأ للمعري وسقراط، وتحفظ أمثال الشعب عن ظهر قلب إلى جانب شعر المجنون والمتنبي، وتغوص في تاريخ الجبرتي والمقريزي وابن إياس.
ليس من الضروري أن تقرئي كل هذا، ولكن إذا قرأت بعضه فأنت تتجملين الجمال الحق، الذي يضيف إلى سحر عينيك ويجعلهما أفتك بالقلوب، بالقلوب والعقول معا