في ميدان التحرير أيضًا (1)


بعد أن أعلن الرئيس جمال عبدالناصر العودة إلى السلطة، والاستمرار في الإمساك بمقاليد الأمور، في نفس اليوم اتخذ قرارًا بتعيين الفريق أول محمد فوزي وزيرًا للحربية، وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، والفريق عبدالمنعم رياض رئيسًا للأركان، كان كلاهما برتبة لواء، ولم يكونا من المقربين من مجموعة المشير عبدالحكيم عامر، كان كلاهما جنديًا محترفًا مهنيًا، وعلى علم واسع وخبرة، وكان اختيارهما سديدًا، وموفقًا إلى أبعد حد، لقد قدر لي فيما بعد أن أتعرف على الفريق أول، البطل، العظيم، المثال الفذ على العسكرية العربية، النزيه، محمد فوزي، تعرفت عليه، وتوثقت علاقتي به بعد خروجه من السجن الذي دفعه إليه الرئيس محمد أنور السادات بعد حركة الخامس عشر من مايو عام 1971، إن الصور تتوارد على ذهني، وتتزاحم، لقد حضرت يوم الخميس الثالث عشر من مايو عام 1971 حفل تخريج دفعة جديدة من الكلية الفنية العسكرية، حضرتها بصفتين: الأولى أنني محرر عسكري للأخبار، والثانية كان شقيقي إسماعيل بين الخريجين، في هذا اليوم وقفت عن كثب بصفتي الأولى على منصة الاحتفال أرقب الفريق أول محمد فوزي وهو يقلد أول الدفعة وسامًا، لاحظت غياب الفريق محمد صادق رئيس الأركان، والتجهم والحزن على وجه الفريق فوزي المشهور بصرامته، وملامحه التي لم تعرف الابتسام، يشاء القدر أن أشهده آخر مرة يظهر فيها بصفته قائدًا عامًا، لقد اعتقل مساء اليوم نفسه، ولهذا تفصيل يطول أمره، لكنه كان قد أعاد بناء القوات المسلحة المصرية في مهمة كانت تبدو مستحيلة بالقياس إلى حجم الهزيمة وآثارها، مازلت أذكر صباح الأحد الحادي عشر من يونيو، عندما قرأت عنوان الأهرام: «إعادة البناء العسكري»، فرغم مرور أربعين عامًا الآن إلا أنني ما زلت أرى العنوان وكأنه أمامي، بدا لي الأمر بعيدًا، إعادة البناء العسكري.. كيف؟ أي مرحلة تبدأ؟ كان حجم الهزيمة قد بدأ يظهر تدريجيًا، لم تكن الحروب تدار من خلال البث المباشر كما هو الآن، رغم مرور أربعين عامًا على يونيو هذا العام، فكثير من الأمور لاتزال غامضة، سواء تلك المتعلقة بجرائم إسرائيل في سيناء، أو الأدوار الغامضة التي لعبها بعض الأشخاص المعزولين من مجموعة المشير، وأخص منهم وزير الحربية شمس بدران، الذي مازال يعيش حتى الآن في لندن، إن أسرارًا كثيرة لم تكتشف حتى الآن، ولم تعرف بعد، وليت الذكرى الأربعين تكون مناسبة لفحص هذه الهزيمة، وما أدى إليها حتى نتفحص الأسباب.

بدأ الفريق أول محمد فوزي، والفريق عبدالمنعم رياض الذي تولى رئاسة الأركان، وكبار القادة الذين كانوا مبعدين في مرحلة المشير عامر، قادة الجيش الذي لم تتح له الفرصة للاشتباك في قتال حقيقي، عمليًا بدأت القوات المسلحة المصرية الرد بعد أيام من وقف إطلاق النار، في الثلاثين من يونيو أي بعد وقف إطلاق النار بثلاثة أسابيع، تقدم طابور مدرع إسرائيلي إلى شمال سيناء قاصدًا الاستيلاء على موقع اسمه «رأس العش» يليه مدينة بور فؤاد على الضفة الشرقية لسيناء، كانت هذه المساحة لم تحتل في يونيو.