قرأت قصَّة على النت.. قصة وفاء وحبٍّ، فقد تزوج رجل من امرأة جميلة وأحبَّها جدًا، وفي يوم شعرت الزوجة الجميلة بأعراض مرض يسبب الدمامل في البشرة، ويشوه المريض تشويهًا كبيرًا، وعلمت أنَّها ستفقد جمالها، وكان زوجها خارج البيت وفي طريقه للعودة أصيب بحادث أدى لفقدان بصره، وأكمل الزوجان حياتهما الزوجيَّة يومًا وراء يوم. الزوجة تفقد جمالها وتتشوه أكثر والزوج أعمى لا يعلم بالتشوه الذي أفقده جمال زوجته. واستمرت حياتهما أربعين عامًا بنفس درجة الحبِّ والوئام، كما في أول الزواج، الرجل يحبها بجنون ويعاملها باحترام، وزوجته كذلك، إلى أن جاء يوم وتوفيت فيه الزوجة، حزن الزوج حزنًا شديدًا لفراق حبيبته وحينما انتهى الدفن جاء الوقت؛ ليذهب الجميع إلى منازلهم فقام الزوج وخرج من المكان وحده فناداه رجل يا أبا فلان إلى أين أنت ذاهب؟ فقال: إلى بيتي! فرد الرجل بحزن على حاله. وكيف ستذهب وحدك وأنت أعمى فقال الزوج: لست أعمى، إنما تظاهرت بالعمى؛ حتى لا أجرح زوجتي وانتهت القصة، التي قد يعلق البعض عليها بأنَّها من وحي الخيال، لكنَّها بالتأكيد حدثت ولو مرة واحدة لهذا الزوج نادر الصفات، فقد صبر على مرض زوجته صبر المحبين وليس صبر الكارهين، كان يحبها وكانت ـ رحمها الله ـ تتفانى في إرضائه وفي خدمته، وعندما مرضت كان يقوم بخدمتها بلا ملل أو تعب أو تذمر، دائمًا يواسيها ويخفف عنها ويدعو لها. بذل كل ما في وسعه؛ ليقدم كل ما تحتاجه معنويًا ونفسيًا واجتماعيًا، كان يخدمها بكل الرضا والتسليم بقضاء الله، كان يعلم ويعرف أنَّ الحبَّ مسؤوليَّة قبل أن يكون مشاعر فياضة، فقد كان يعيش أصعب لحظات حياته ألمًا وحزنًا، وهو يراها عاجزة بعد نشاط، صامتة بعد أن كان يسمع منها عذب الكلام وصدق المشاعر، كان يشعر بمدى احتياجها، وكان لا يملك سوى الدعاء لرب العباد أن يشـــفيها، بالتأكيد هناك من قال له سوف تنساها، لكن زوجًا كهذا لن ينساها، وكيف ينساها وقد جلس طوال سنوات ادعى فيها العمى بكل إخلاص حتى لا يجرحها، وكان بإمكانه أن يتزوج عليها أو يتركها أو يملها، أتعرفون لماذا؟ لأنَّه رجل يخاف الله خوفًا عظيمًا، ولأنَّه أحبَّها بصدق واحترمها بصدق، فكيف ينساها، وكأن حال لسانه يقول لا أظن أنَّ القادم خلفها سيكون أفضل منها، فأنا لن أتمكن من الفرار من ذكرياتها فكيف أنساها، فكل تفاصيل حياتنا كتبناها معًا، فعندما كنا نحزن نبكي معًا، وعندما كانت تغيب لأمر ما كان الوجود يغيب معها، ولو أصبت بالتعب لا أحتاج إلا لوجودها ولا أفكر إلا فيها، فكيف أنساها. وعندما كانت دمعتي تخنقني لا أرتاح إلا في دفء صدرها. كيف أنساها وأنا أشم رائحتها في كل ركن وزاوية رغم غيابها، كيف أنساها ورغبتي في الحياة توقفت بعدها؟ غفر الله لها ورحمها.