قلوب ميتة


ألا قولوا لشخص قد تقوَّى على ضعفي ولم يخش رقيبه، خبأت له سهامًا في الليالي وأرجو أن تكون له مصيبة، وقال الإمام مالك بن أنس «قد ينتقم الله من ظالم بظالم...ثم ينتقم من كليهما».

وإني لأرتجف خوفًا ورهبة كلما تذكرت قول الحق سبحانه وتعالى في الحديث القدسي «وعزتي وجلالي لأنتقمن ممن رأى مظلومًا قَدِرَ على مساعدته ولم يفعل»، فمساندة المظلوم إذن ليست أمرًا إنسانيًا بقدر ما هي أمر إلهي، ليس لنا فيه مناقشة أو استفسار أو تردد، ولو تمعّنا في مغزى الحديث، ووعيناه في وقتنا الحاضر، تُرى ماذا نجد، مع الأسف حدّث ولا حرج!

هناك بعضٌ ممن يعيشون بيننا، ويملكون بين ضلوعهم قلوبًا ميتة، أشخاص تتسم شخصياتهم بالضعف ويحملون من النقائص ما يخجلون منها، ويلجأون إلى الحرب النفسية لإفساد حياة الآخرين، وما ينتج عنها من مظاهر الهلع والخوف، نفوس مليئة بالحقد والغيظ والحسد والكُره، بعيدة عن السلام والتراحم والعفو والتسامح، قلوب باتت كالحجارة أو أشد قسوة، لا تفكر إلا في الدنيا الفانية، دنيا لهثوا خلفها دون هدى ولا بصيرة، غير مدركين لعواقب ما تجنيه أيديهم وعقولهم ونفوسهم، ويا ليتهم يعلمون، فنحن لا نُقدّر فعليًا خطورة السكوت أو التهاون عن الظلم، ونفعل ذلك، إما لخوفنا من النتيجة الدنيوية وما ستجلبه لنا من مشاكل نرى أننا في غنى عنها، أو خوفًا على مصالحنا أو وظائفنا أو نقول ما لنا؟ وماذا سنستفيد لو تكلمنا؟ أو أن الأمر لا يعنينا مع علمنا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وفي بعض الحالات يدفع القهر والظروف القاسية بالآخرين إلى الانتقام، لكن ليس هذا مبررًا كافيًا، فالخيط الرفيع الذي يفصل بين الخير والشر، وبين الظالم والمظلوم، وبين القوي والضعيف، خيط واهن مثل خيط العنكبوت، يقوى بالدين وبالضمير، ليصبح أقوى من الفولاذ، لكن يذوب الخيط ويتلاشى إذا انحدر القلب وعلاه الصدأ، ويكفي أن نكون واثقين بأن الظالم دائمًا أشقى من المظلوم.

لذلك يجب على الإنسان ألا يزهو بعمره وصحته، عليه أن يفكر فيما ينتظره من حساب وجزاء، فالله سبحانه وتعالى خلق القلوب لنحب ونخلص ونصلح ونتسامح بها، خلقها سبحانه صفحة بيضاء نقية، لا تحمل ضغينة أو حقدًا لأي كائن، وأمرنا أن نعيش وقلوبنا متحدة، وأن نُحسن الظن به وبأنفسنا وبالآخرين، وأن يجمعنا الحب فيه.

ومع أن هناك من يراعي مشاعر الظالم أكثر من مشاعر المظلوم، والجاني أكثر من المجني عليه، إلا أننا نسمع صوت المظلوم وهو يردد دعاء الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ «رب قدرني على من ظلمني لكي أجعل عفوي عنه شكرًا لك على قدرتي عليه‏».

أنين الصبر

 نحن موقنون أن هناك يومًا معلومًا تُرد فيه المظالم، يومًا رائعًا ومشرقًا لكل مظلوم، ويومًا مظلمًا لكل ظالم.