تعج القنوات التليفزيونية الإيطالية ببرامج الواقع المتعارف عليها عالميًا وعربيًا أحيانًا، والمنقولة صوتًا وصورة بواسطة كاميرات بث حي لـ2424 ساعة. ومنها كما نعلم الذي يعنى بصقل المواهب الفنية، وغيرها للبالغين والقاصرين والرُّضع أيضًا على نحو متكافئ. ولا عجب إذ نجد مذيعة تسأل متباريًا من نابولي عن فئة الغناء في السابعة من عمره: «كم خطيبة لديك؟». وتردّ بحدة متبارية من صقلية تصغره بعام واحد بأنها خطيبته الرسمية دون الباقيات، ما دام أهداها أشياء كثيرة ملأت خزانتها على الآخر. وحينما تسألها المذيعة عما أهدته إياه بالمقابل، تجيب الصغيرة بثقة أفتقدها وجيلي، بأن الرجل من يجب أن يتودد للمرأة وليس العكس. وصدق من قال: «خذوا الحكمة من أفواه الصغار».
وهناك برامج لا تتداخل فيها الخيوط ما بين الفن والمجون، إذ نجدها تعنى بالتقريب المباح بغرض زواج متاح، وإقامة أفراح على نفقة قنوات الفرسان والمِلاح. ولا غرابة إذا فوجئنا بنفس البطل يعاني الحيرة لسنتين على التوالي في اختيار فتاة أحلامه؛ لكن الحيرة تلك تتلاشى متى حانت نزهات التقبيل والأحضان والسهر والرقص والسفر تحت عدسة الكاميرات. وكسالفه فالبرنامج يتألف من نسخ مقسمة حسب الأيام؛ يوم للكهول، ويوم للشبيبة، وآخر للشيبة؛ فما من أحد هنا يحفظ عن أبي العتاهية قوله:
ألا ليت الشباب يعود يومًا
فأخبره بما فعل المشيب
وهناك برامج تعنى بالرفع من مستوى الثقافة الضحلة لآنسات من طرف سادة مفكرين وأذكياء. وهنيئًا لمن يفلح في محاربة جهل أنثاه المغرية، والتي بعد أسابيع من الانفراد المنقول على الشاشة تسألها المذيعة عن أقرب محيط إلى البحر الأبيض المتوسط؟ وأين يقع؟ ولا تتردد في الإجابة: «بحر البلطيق على واجهة إيطاليا الشرقية». العلم نور فقط في بلداننا المشمسة، بينما إيطاليا حسمت أمرها بأنوار أكثر إنارة.
وهناك برامج منها ما يعنى بلا شيء في الجزر، أو الأدغال المعزولة، أو البيوت الموصدة، أو المزارع النائية بما مفاده أن التفاهة تبقى أسمى منه تقييمًا، خاصة إذا ما رأينا تهافت المتتبعين على الظهور موازاة، وذاك النقل الحي بدعوى أن أحدهم يحتفظ بأولى الرسائل الغرامية؛ لمشاركة فلانة على هاتفه، وآخر يعلن أنها مثلية، وأخرى تميط اللثام عن سر خطير مفاده أن المشارك «عِلان» تحرش بها. حين كانا في الطور الابتدائي قائلاً: «تشاو بيلّا»... إلخ... ولتعش العطالة تحت الأضواء التي تجعل من الكل ممثلين دائمين، ليس لدى الأمم المتحدة للترويج لقضايا إنسانية تهم البشرية لكن للترويج لبضاعة لا يملكون غيرها: «تضاريس الجسد» الناعم والخشن. وكيف لا؟ وحتى بعيدًا عن شاشات الـ2424 ساعة على مدار 12 شهرًا يجد الفرد نفسه تحت عدسة الكاميرات ليلاً ونهارًا.