يستحسن ألا يتواجد في الغرفة أكثر من اثنين، أقصد واحدًا، لابد من ماجي، ماجي ابنتي التي أتطلّع إليها حائرًا، فماذا يمكن أن أقوله أو أعبّر عنه، لحظة بلحظة منذ وصول أمها إلى المطار في ذلك اليوم الحار، الذي ودّعتها صباحًا بمطار القاهرة، كانت ماجدة تبدأ مرحلة وتُنهي مرحلة، كذلك ماجي على الطرف الآخر من المحيط، لم يخل الأمر من مواقف مباغتة، ما بين اكتشاف ماجدة ذلك التطور الصلب من الناحية اليسرى من الصدر، وما بين سفرها أسبوعين، بدأ الأمر باللجوء إلى صديقنا الدكتور محمد أبو الغار، وتربطه صداقة عميقة بالأسرة، في أي موقف صحي أو إنساني نتعرض له نبدأ به، زوج ابنته الدكتور عمر زكريا جرّاح أورام، متخصص في فرع نادر هو إعادة بناء الثدي بعد استئصاله، خطوات عديدة تمّت حتى ذلك اليوم الذي وقعت فيه الواقعة، في أحد المستشفيات الخاصة بالمهندسين، قام باستئصال عيّنة من الورم، تم تسليمها على الفور إلى معمل متخصص في المنيل معروف بنتائجه الدقيقة، في اليوم التالي كانت النتيجة أمام الدكتور حمدي عبدالعظيم، أستاذ الأورام الراسخ في مجاله، تم إرسال العينة إلى معمل له سمعة داخل مصر وخارجها، نفس المعمل الذي تم فيه تحليل عيّنة البروستاتا بعد استئصالها عام خمسة بعد الألفية الثانية، غير أن نتيجة ماجدة عكسية، كان المطلوب إعداد العينة في شرائح، بحيث يمكن تسليمها إلى المستشفى المعالج.
زميلة لماجدة من زمن صباح الخير، أصابها هلع عندما علمت، قامت بعدّة اتصالات، لها معرفة وثيقة بالأطباء، أحد معارفها طبيب شهير يمتلك مستشفى خاصًا في المهندسين، طلب منها أن تصحبها على الفور، فوجئت بماجدة تتصل بي، كنت في مكتبي بدار أخبار اليوم، كان يوم خميس، نهاية الأسبوع، قالت إنها متّجهة الآن إلى المهندسين، ستدخل المستشفى، اتصلت بالأهرام وتم ترتيب كل شيء، طلبت مني أن ألحق بها؛ لأنها تريد أن تراني قبل دخول غرفة العمليات، بدأت ألملم أوراقي على الفور، تتداعى الأحداث بسرعة، أتطلع حولي كأني أريد التأكد من واقعية ما يجري، تناولنا الإفطار معا في الصباح، عند الخطر نسترد عاداتنا الأولى، لاختلاف مواعيد ذهابنا إلى العمل أشفق عليها، كما أنها منذ سفر ماجي ابنتنا واستقرارها في نيويورك، تسهر إلى ما بعد الفجر، تهاتفها، أصبح التليفون بديلاً للحياة التي كانت، ثم تبدّل مسارها، فارق التوقيت سبع ساعات، عندما نكون في الثانية عشرة (بالقاهرة) تكون الخامسة صباحًا في (نيويورك)، محمد وماجي وأحمد زوجها راقدون الآن، أخفينا عنهم ما يجري، للأسف لم نُطلعهم أولاً بأول حتى وإن كانت الصدمة أقسى، ما جرى فيما تلي ذلك اليوم، جعلنا نندم، ولهذا تفصيله فيما بعد.
عندما وصلنا إلى المستشفى، كانت ماجدة ترتدي البيجاما المخصصة للعمليات، وحول معصمها سوار أحمر من البلاستيك، كانت بمفردها في غرفة تعتبر الأفخر في المستشفى -جناح- كان الجرّاح الشهير يريد أن يوفّر أفضل الظروف الممكنة، قالت ماجدة إنه كشف عليها، وقال إن أخته لو جاءت في مثل هذه الحالة، فإنه سيجري لها الجراحة فورا، لابد ألا يحل صباح الغد، إلا وهذا الورم في ناحية وهي في أخرى، قالت ماجدة إنها عزمت النية وقررت الاستجابة وأمرها إلى الله. ماذا عن الأولاد؟
قلت إنني سوف أطلب ماجي وأخبرها بأن سفرا مفاجئًا استلزم غياب يومين في مهمة تتصل بمجلة «علاء الدين» التي ترأس تحريرها، يمكن تبرير صمت الهاتف بعطل في نظام الجوّال، كانت ماجدة مأخوذة، نحاول الحيد عن اللحظات الفارقة التي نمر بها، بالحديث عن أمور تتعلق بالأولاد، وما سيتم بعد العملية، خاصة أن الطبيب أكّد لها أنه سيوصي بسفرها إلى أهم مركز لعلاج السرطان في العالم، في نيويورك (ميموريال سلون- كترينج) ربما أسمع الاسم لأول مرة.