فزورة.. حزورة؟ لغز؟ موناليزا؟
عيناك سؤال غير مفهوم، وإجابة غير محددة، مراوغة.
عيناك مكر متلألئ. هل فيهما استمتاع باللعبة.. استمتاع بالتعذيب.. بالمكر وطرح الفوازير والتسلي بالألغاز؟
لقد حللت ألف لغز في حياتي. في الصحف، وفي سمر الأصدقاء، وفي الحياة الدنيا والآخرة، ولم أحل أبدًا لغز عينيك أو فزورة ابتسامتك.
ليتك لوحة زيتية، لكان مكرك ساعتها مقدورًا عليه. إنما أنت مكر حي، تتهربين من إجابة السؤال أم تجيبين بسؤال؟
حاولت أن أكتب فيك قصيدة، كنت في العشرين، ولم يكن الشعر ميداني، لكنك حيرتني حتى الغناء، فقلت:
حنانيك يا امرأة الأسئلة
وكفي عن الهمس بالعين والغمز والشفتين
لقد كدت أخرج عن فئة البشر العاقلة
وأكره كل الفوازير، منذ رأيت عينيك فزورتين مدمرتين
ومع ذلك لم أكن عاشقًا. فقد بالغت كأي شاعر مبتدئ، هذا كل ما في الأمر. أما الواقع فـإني كنت مغتاظًا إلى درجة كتابة الشعر! كانت أول لغز، لن أقول خبثًا، فالخبثُ من الخبث، وأنت جميلة. ومكرك ليس شرًا، بل لعبٌ، لعب لا يرتقي دائمًا إلى رتبة العبث، الذي هو من صفات صغار الجينات.
يا موناليزا حي الجيزة في قاهرة المعز، لقد تحملت منك ما لا يطيقه عاشق ولهان، فما بالك وأنا لست بعاشق، بل فقط متأمل. أقف أمام ابتسامة عينيك الغامضة، وأحاول أن أحل اللغز. هواية قديمة عندي. من زمن التلمذة. حل الكلمات المتقاطعة، واكتشاف الفارق الخفي بين رسمتين متطابقتين. لقد اكتشفت يا آنستي أني ما زلت تلميذًا مبتدئًا في أكاديمية عينيك. لا أفهم: هل أنت راضية أم ساخرة؟ متدللة أم لاهية؟ تريدين إطالة اللعبة أم أنت مترددة؟ يقف أمامي.. يتحداني، أنا الذي كنت أحل الكلمات المتقاطعة بسرعة البرق، وأهتدي في ثانية للفارق الرهيف بين الرسمتين، لقد كنت رجل الألغاز، حتى هزمتني امرأة الأسئلة.
سافرت بالصدفة إلى باريس في ذلك الوقت من شبابي، وكنت ما أزال أغلي غيظًا. أول شيء فعلته أن ذهبت لزيارة متحف اللوفر، ووقفت أتأمل
لوحة الموناليزا:
نعم كانت ابتسامتها ونظرة عينيها فيهما حنان وسخرية ومكر وأشياء أخرى كثيرة. لكنها كانت في النهاية لوحة! ألوان زيتية على قماش! حتى إن هزمتِني، حتى إن عجزت عن حل لغزها، فلن تعرف هي أنها هزمتني، أني وقفت أمامها عاجزًا. لكن أنت...
لقد بتّ أقرأ الآن في عينيك وبسمة شفتيك أشياء كثيرة. إنها فرحة النصر، فرحة لا تكاد تبين. إنك تفهمينني تمامًا، تعرفين أني لا أحج لمحراب عينيك كعاشق، بل كهاوٍ لحل الألغاز. وتدركين تمام الإدراك أنك حيرتني.. وتريدين أن تبلغيني -بغموض باسم هو أسلوبك في الحياة- هذه
الرسالة:
لقد غلبتك. اعترف
إذن فابتسامتك –إلى جانب اللعب والعبث والدلال والرغبة في التعذيب- هي أيضًا ابتسامة منتصر.
لقد حللت اللغز يا سيدتي. ولم أعد أهتم بك.