وكعادتنا عندما نواجه اللحظة الصعبة نبحث عن الهروب. ومن هناك إلى لندن حيث التاريخ والعراقة، فوجئت أن حديقة الهايد بارك فقدت رومانسيتها، وذاك البساط العشبي الممتد على مدى النظر، بقي العشب ورحل الأخضر. ولم يكن «الويست أند» بمسارحه ومتاحفه يوحي بالحيوية، بل كانت منطقة مبان تشكو عمرها الطويل، وشيخوختها الشاحبة.
المدن لا تمثل لي شيئا، البشر هم الذين يصنعون الاختلاف. ورحيلي لم يكن منك، بل كان في الواقع إليك. أستغرب كيف يكون حضور الناس، الذين نحبهم في غيابهم أكثر من حضورهم. ولماذا نكتشف صدقهم عندما نقابل الزيف. ولماذا نشعر بنقائهم، عندما نرى الخداع يمارس نفوذه، قبل أن يذوي في مواجهة الحقيقة.
تعلمت من الصيف أننا نوهم أنفسنا بأننا حينما نسافر سنقابل الجديد، ونسمح لروح المغامرة والاكتشاف أن تنطلق. ولكن عندما نرحل، ونفتقد من كانوا يمنحونا الحنان والفرحة واللحظة الصادقة، ندرك أننا نمشي في الاتجاه المعاكس، وأننا وإن رحلنا بأجسادنا، فمشاعرنا لايمكن لها أن ترحل، لأننا ببساطة لانملك قرارها.
لكني قررت أن آخذ موقفا من المدن التي خاصمتني، وتركتها تنتظر في مكانها عند الغروب، وحزمت حقائبي سرا وغادرت. ويا للمفاجأة، عند عودتي اكتشفت أن أضواء باريس مكدسة في مدينتي، وجمال لندن ورومانسيتها متمددة في شوارعها. ياللسذاجة لماذا حاولت الرحيل؟ ألم أدرك بعد أن وجودك وحده، كاف لاختطاف كل جمال مدن العالم. وأن المدن بدونك خطوط ضائعة لم تكتمل؟
اليوم الثامن:
المدن بدون من نحب
مساحات فارغة تضيق علينا
والزوايا البسيطة مع من نحب
مدن شاسعة نحلق في فضائها.