هل جاء حفيد عنترة بما يشين؟

فات علي «عمداً» تقديم نفسي لقارئات وقراء «سيدتي»، ذلك أن التقديم يعني أنني أعترف بأنني نكرة، ومن أراد أن تثكله أمه وبنت عمه، فليقل عني أني نكرة! قبل كل شيء، أنا سليل بيت معروف بالشعر والفروسية، وبلا أي ادعاء للتواضع يشرفني ويسعدني أن أعلن أنني الممثل الشرعي الوحيد لورثة جدي الأكبر، عنترة بن شداد العبسي، «واسم والدي الذي هو عباس دليل إضافي على أنني عبسي».. بالتأكيد لست مقطوعاً من شجرة، لأكون الحفيد الوحيد لعنترة، ولكنني حتماً الوحيد من أحفاده الذي لم يفتأ يجاهر ويفخر بنسبه.. هناك بعض الحاقدين الذين يقولون إنني «فبركت» شجرة نسبي للمطالبة بنصيبي من تركة/ إرث عنترة في السعودية، لأن لدي مستندات بأن برجي المملكة والفيصلية في الرياض أقيما في أرض منحها بني عبس لعنترة، كفوائد نهاية الخدمة، ولأنهم كسروا خاطره بعد أن استنكروا طلبه ليد عبلة واتهموه بمحاولة تلويث النسل.

ولكون جميع معارفي من الرجال، يعلمون بأمر علاقة الدم التي تربطني بعنترة، فقد استنكروا أن أكتب في مجلة نسائية: عيب يا أبو الجعافر، سليل أبو الفوارس، أن تكتب في مجلة تخص سلالة عبلة، التي بسببها تعرض جدك للبهدلة والحبس في سجن «جوه تنامو» في الربع الخالي، والذي استلهم منه الأمريكان فكرة معتقل جوانتنامو في كوبا.. وهناك من رأى أنه لا يجوز لرجل، حتى لو كان من سلالة مايكل جاكسون، أن يكتب في مجلة اسمها فيه تعظيم للمرأة: «سيدتي»، وأصحاب هذا الرأي يعلمون أن معظم معاناتي في الحياة كانت من تحت رأس نساء من لحمي ودمي.

هؤلاء معهم بعض الحق.. لا أتذكر أن ضربني أبي سوى مرة واحدة، بينما أمي، «ما تعدش».. بعد أن كبرت على الضرب كنت أذكر أمي بأنها كانت، بعكس أبي، تمارس بحقي البطش والقمع، فترد في كل مرة: لأن أباك كان مهاجراً، ولو عاش معك في طفولتك وصباك لربما كان ألحق بك عاهة مستديمة.. أمي تبرر ممارساتها الصهيونية معي بأنني كنت عفريتاً فالتاً.. لحسن حظي فقد نسيت لاحقاً سجلي الإجرامي، وصارت تعتبرني الابن البار جداً.. ولكن بعد أن سلمت الراية لبنتي مروة. مروة هذه جاءت إلى الدنيا وهي مصابة بعقدة، فقد شاء الله لها أن تولد في الخامس من يونيو/ حزيران.. «أعرف يا قراء أنكم كسائر العرب مصابون بفقدان الذاكرة الإرادي voluntary amnesia وتحتاجون إلى من يذكركم بأنه تاريخ بدء الحرب التي خسرنا فيها كل فلسطين والجولان عام 1967م».. و»تهزأت» يوم مولدها: كنا وقتها نقيم في أبوظبي، ولما اشتد على زوجتي الوجع، ذهبت بها إلى مستشفى الولادة، وصاحبت النقالة التي كانت ترقد عليها حتى غرفة التوليد، وودعتها بكلمات «تشجيع» واتجهت نحو الباب، فإذا بيد قوية تمسك بي من تلابيبي وتسحبني إلى داخل الغرفة.. كانت طبيبة أجنبية، وأغلقت الباب ووضعت المفتاح في جيبها. فقلت لها هامساً: عيب يا ولية تتحرشي بي أمام زوجتي، ثم إنني من عائلة محافظة. ولكنها سحبتني من ياقة قميصي كما «معزة»، وطلبت مني أن أجلس قرب زوجتي وأسند رأسها بيدي.. وات؟! هل تقصدين أنني سأظل هنا خلال لحظات الولادة؟ قالت: ييب، وهي اسم الدلع لـ «يس». صحت فيها: مجنونة أنت؟ ماذا سيقول الناس عني إذا علموا بأمر وجودي في غرفة الولادة لحظة قدوم أحد عيالي؟ يا للعار! ووجدت نفسي ألطم بالمصري: ده كان مستخبي لي فين يا رب.

وقبل أن أنجح في إقناعها بإخراجي من تلك الغرفة، بدأت المولودة «التي صارت مروة» في الهبوط التدريجي، وانتبهت إلى أن زوجتي تمسك بأطراف أصابع يدي حتى «هرستها».. لن أنسى ما حييت تعابير الألم التي كانت في وجهها، وجسمها الذي كان ينتفض، وصرخاتها المكتومة. ووجدت نفسي أسأل الطبيبة عن الأشياء التي يمكنني القيام بها حتى أخفف معاناة زوجتي، لا أذكر ماذا قالت لي بالضبط، ولكن زوجتي قالت لاحقاً إن وجودي معها في غرفة الولادة خفف عليها الألم كثيراً. وقلت لها: الحمد لله، بس هذه تجربة لن تتكرر، حتى لو أنجبت كتيبة من الأطفال مستقبلاً. المهم شرّفت مروة بيتنا، وطوال السنوات السبع الأولى من رحلة عمرها نشفت ريقي ومرمطتني وشرشحتني «بعد أن كبرت قليلاً اكتشفت مقالاً صحفياً لي يرد فيه اسمها، وكان بعنوان (نكستان) قلت فيه إن النكسة الأولى كونها مولودة في ذكرى نكسة العرب في حرب عام 1967م، والنكسة الثانية كونها بنتاً، ونحن أمة ما زالت تهلل فقط لمولد الذكور البواسل، المناط بهم التحرير والتعمير، في المشمش..!

للتواصل مع الكاتب جعفر عباس[email protected]