صغيرتي لا أدري كيف مرت السنوات بسرعة البرق لأراكِ أمامي وقد أصبحت فتاة ناضجة مستقلة، فأنا كنت –ومازلت- أراك الطفلة المدللة التي لن تكبر، ولن تنفصل عني، وأحمد الله دومًا على أن ميزكِ بخلقك، وسلوكك، وذكائك، وحكمتك، وفي عطائك وصبرك. يا غاليتي أنت جزء من كياني، وعقلي المفكر، ويدي اليمنى، أنت بالنسبة لي الصديقة التي تتفهم مشاعري، وأستشيرها، وأشكو لها همومي، وللحظات كنت أحسُّ بك كأمي فأنهل من حنانك حتى أرتوي، ولم أكن أتخيل أن تبتعدي يومًا عني حتى لو تزوجت، لذلك فكرت، وترددت آلاف المرات حين طلبت موافقتي لاستكمال دراستك في الخارج، وبعد أن استخرت الله وافقت بأن تبتعدي عني لتحققي طموحك، الذي هو نفس طموحي، وأعرف أنَّ لك العديد من الأهداف التي ترغبين الوصول إليها وتحقيقها، سواء في دراستك أو في تطوير ذاتك.
حبيبة قلبي أنت الآن تعيشين حياة جديدة، وبيئة مختلفة، وجوًا مختلفًا مع أناس مختلفين، وستتدبرين أمورك، وتعتمدين على نفسك، فابتعدي عن كل ما فيه ريبة وشك، سواء في أقوالك أو أفعالك، وتعاملي دائمًا بخلقك الذي أعرفه فيك، الكلمة الطيبة والتسامح والابتسامة، أريدك كما عودتني دومًا أن تتأني في اتخاذ أي قرار قبل أن تقدمي عليه، وأن تستخيري الله سبحانه وتعالى، فهو القادر أن يختار لك الأفضل وينير بصرك وبصيرتك.
غاليتي اهتمي بنفسك وصحتك وبكل صغيرة وكبيرة، فهي أمانة عندك. فأنت دائمًا كبيرة في نظري وفي نظر الآخرين، وستظلين -بإذن الله- دومًا كبيرة وعظيمة ورائعة، ومتأكدة أنني سأسمع عنك كل ما يفرحني من إبداعاتك وإنجازاتك التي ستسعدني وتعوض غيابك. حبيبتي وحشتِني! كم أفتقد روحك المحبَّة، ووجهك البريء، ونفسك الصافية، وأحاول أن أوهم نفسي بأنَّك هنا إلى جانبي، وأصبر نفسي وأعوِّدها على غيابك المؤقت لحين عودتك سالمة غانمة بإذن الله.
ابنتي مهما دعوت لك فلابد أن تكوني أنت أيضًا مع الله ولا تنسي الصلاة مهما كانت ظروفك، أو ضغوطك فلا يلهيك عنها أي أمر، ولا تبعدك الدراسة عن الدعاء، وقراءة القرآن. فحصني نفسك ولا تنسي أذكار الصباح والمساء، وأن تستودعي نفسك ودينك وجسدك وعقلك وكل ما تمتلكين في حفظ الله ورعايته. حبيبة عمري أطلب منك أن تشعري بمشاعري، وتحسي بأحاسيسي، وتعرفي مدى خوفي عليكِ، فتواصلي باستمرار معي لأطمئن عليك، لا تدعي القلق يسيطر عليَّ، ولا تجعليني أعيش لحظات الانتظار. أما أنا فلا أملك سوى الدعاء لرب العباد أن يصبرني على فراقك، وأن يحفظك ويحميك ويسدد خطاك، وأن يكون معك في حلك وترحالك، وتأكدي من أنني سأكون معك كما عودتك منذ صغرك بعقلي وقلبي ودعائي. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن تعودي إليَّ وأنت بصحة وسلامة وعافية تحملين شهادة أفتخر وأعتز بها، وسأفتخر أكثر حين تطبقين ما تعلمته على أرض وطنك. استودعتك عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع