ورود

هل تذكرون حكاية الشاب الياباني المسكين الذي أغرم بزميلته في العمل، وحاول التقرب منها بشتى الطرق وصدته، ولم يستطع أن يمنع نفسه من إرسال ورود إليها علها تغير رأيها، وتبدي شيئًا من الاهتمام نحوه؟ كان يبعث إليها وردة كل يوم. تضايقت الشابة من إلحاحه، واشتكت لمديرهما، فوبخه وأمره بأن يترك الفتاة وشأنها، وعجز الشاب عن ذلك، واستمر في إرسال الورود إليها، وتكررت شكاواها لمسؤولين أعلى في الإدارة، وانتهى الأمر بزميلها إلى أن سُرح من عمله، ولم ييأس رغم ذلك. واصل إغراقها بالورود، وتحولت حياة الفتاة إلى جحيم، وتدخل أشخاص كثيرون لإقناعه بنسيانها، والتوقف عن إرسال الورود إليها، خصوصًا وأنه صار عاطلاً، وأصبح في حاجة لأن يحتفظ بمدخراته لنفسه. لكنه رفض. لجأت الفتاة إلى المحكمة، وهدد القاضي الشاب بأن يحبسه إن استمر في مضايقتها. لم يرتدع العاشق. واصل إرسال وردته اليومية لخاطفة قلبه. وزج به في السجن.

لبث هناك سنة كاملة، وعندما أطلق سراحه أسرع يتقصى أخبار حبيبته، وكم كانت صدمته كبيرة عندما علم بأنها تزوجت بالمحامي الذي وكلته لمقاضاته!

حكايتي شبيهة بهذه القصة. ضحكت حين قرأتها في الصحف. رأيت نفسي مكان الشاب المسكين. أو ربما مكان الفتاة. ما رأيكم؟

لنبدأ الحكاية، أنا ساعي بريد، بدأت خدمتي منذ فترة قصيرة نسبيًا، وتم إلحاقي بمكتب ريفي صغير في إحدى القرى الجبلية، لاحظت أن كمًا كبيرًا من الرسائل يصل إلى نفس العنوان؛ بيت أحد أعيان المنطقة، إحدى فتيات الدار تتلقى رسالة كل يوم تقريبًا، أجدها بانتظاري عند باب الحديقة، ملتحفة بغطاء مطرز، وفي يدها طبق أكل، تمده إلي وهي تبتسم، ووجهها النضر محمر من الخجل.

حدثت زملائي في المكتب في الأمر، وضحكوا وهم يتغامزون، وسألوني كيف لم ألحظ إلى الصبي الذي يأتي كل يوم ليبعث رسائل لابنة شيخ البلدة. لم أفهم شيئًا، احتجت لوقت لأنتبه إلى أن الفتاة تكلف أحد صبية الدار بأن يضع رسائلها في البريد... الرسائل التي تبعث بها لنفسها؛ لتراني.

لم أرد أن أصدق، لكن حرص البنت على ملاقاتي ونظراتها المختلسة وابتساماتها بدأت تقنعني بالعكس، قال لي زملائي: إنني سأكون غبيًا إن لم أقتنص الفرصة وأفوز بعروس ميسورة.

اخترت أن أكون غبيًا. تجاهلت حركات البنت، وبدأت أبدي شيئًا من البرود عندما أراها، وأرفض قبول الأكل الذي تقدمه لي، وحين حان وقت إجازتي السنوية، غادرت المنطقة غير آسف، وجريت إلى مدينتي الصاخبة أعبث فيها، وأصرف راتبي المتراكم منذ شهور. مضت الأيام، وبدأت أشتاق للريف ولزملائي ولابنة الشيخ الجميلة وأكلها اللذيذ.

 فكرت فيها، وشعرت بإحساس جديد.

عدت بعد انتهاء إجازتي وعلمت الخبر، الزميل الذي تكلف بتوزيع البريد مكاني أثناء غيابي تقدم لفتاتي. حفل الخطبة قريب، وترتيبات الزواج قائمة.