الطرق منذ عشرات السنين مليئة بالحفريات ومقالب القمامة، بالرغم من الجهود الضخمة في إصلاحها وتمهيدها، فليس المهم أن نستطيع المرور سريعًا أو بطيئًا، المهم القدرة على السير، على الأقدام، أو بالسيارات، ولا يهم أن تتهشم أو تتقادم أو تتهالك السيارات، لأن المهم هو توافر معايير السلامة البدائية!
الحشرات والأوبئة تتسبب سنويًّا في تفشي أمراض غريبة ومخيفة، ولكن أنواع العلاجات والتوعية الدائمة متوافرة وبكثافة، وعندما نلجأ للمستشفيات الرسمية فإنها لا تقصر أبدًا، إذ تطلب المزيد من المواد الطبية مثل الشاش والقطن ومواد التطهير وأدوات الجراحة وقيمة أسرّة أو أغطية وبطاطين أو أثاث أو مفروشات للمستشفى لخدمة أبناء الشعب، أي نعم المستشفى الحكومي لا يقبل إلا المرضى المشارفين على الوفاة، ولكن الهيئات الصحية لم تقصر، فتقبلهم وتسلمهم لأهاليهم، إما جثثًا هامدة، أو فاقدي الأمل في العيش، أو ناقصي أعضاء! وهي بذلك تقدم خدمات جليلة للشعوب بتخفيض أعدادهم، لكي يخفَّ الضغط على المواصلات والاستهلاك، وكافة أنواع المعيشة!
تتقدم بأوراق ابنك أو ابنتك لإلحاقه بالمدارس الحكومية، وأنت تقطن في الغرب، فيرحلونك وولدك لأقاصي الشرق! ولا يهم الوقت والتحويل والسفر، المهم مجرد القبول، فهيئات ووزارات التعليم توفر المدرسين والمدرسات الأكفاء في كافة مواد وطرق التدريس، ولا بأس من غيابهم طوال أو معظم أيام السنة الدراسية، ولا بأس سيعوض كل هذا مستقبلاً! والمدارس الرسمية لا تكلفنا شيئًا سوى قيمة طباعة الكتب، وقيمة نظافة الفصول، وقيمة الترميمات اللازمة للأبنية، وقيمة... كل عام، ولا بأس، فهي أرخص وأرحم بكثير من أنواع التعليم الأخرى، ولا مانع من ضرب أو سبِّ المدرسين والمدرسات للطلاب والطالبات ضربًا وسبًّا مجرحًا ومبرحًا، ربما سيؤدي إلى عاهات مستديمة، ولكن ماذا يفعلون؟ إنها أساليب التعليم ورسالته الخالدة!
الفساد والرشوة والمحسوبية في تزايد دائم بجميع القطاعات، ويزداد يومًا بعد يوم، ولكن الهيئات الرسمية تحاربه بكل وسائلها، فالأجهزة الرسمية تعلم جيدًا أن مفتش التموين عمله هو التفتيش على المخابز بأنواعها، فهو يقوم مع أول ضوء ليجد سيارة نقل بسائقها تابعة لأحد المخابز تحت إمرته لتنقلاته وأولاده يوميًّا، وهيئته تعتبر موظفها معذورًا، لأنه موظف بسيط لا يمتلك حتى «موتوسيكل»، فلابد من سيارة لتقله وأولاده، لذا يضطر الموظف إلى التطفل واستخدام سيارات أصحاب المخابز، والمخبز الذي يؤدي له خدماته يرحم من محاضر المخالفات، أما منْ لا يُعامله باحترام شديد، أو لا يَلقى من ورائه أي فائدة، فتفرض عليه المخالفات بأنواعها، كما أن مفتش البلدية مهمته الأساسية التفتيش على البقالات والأسواق والبائعين والمراكز التسويقية والتجارية، ولا يحلو له العمل إلا قبل الأعياد ومواسم الازدحام، ومنْ لا يرضخ له ويعطيه أثمن وأجود ما عنده من هدايا العيد، ستفرض عليه الغرامات الفادحة، أو يصدر بحقه أمر بالإغلاق! والموظف مضطر، فالمسكين يريد أن يعيش ويقضي الموسم كبقية الخلائق بملابسهم وبضائعهم وحلاتهم وأدواتهم الجديدة، وتعلم أيضًا أن موظف تحصيل أو فرض الضرائب الخاص بالمهن الحرة، من المحامين والمحاسبين والأطباء والمدرسين.. يحاول أن يمارس عمله، فالطبيب أو المحامي الذي يتقاعس عن أداء خدماته الجليلة للموظف وعائلته ومعارفه، فيا «ويله» من الإقرار الضريبي الذي سيفرض عليه بالآلاف، وستصدقه الحكومة متمثلة في مصالح أو هيئات الضرائب، لذا فجميع أعضاء المهن الحرة من هؤلاء يؤدون خدماتهم للموظفين الرسميين بسلاسة ومرونة تامة، فالحكومات بأساليبها وموظفيها وأساليبهم، وأفراد المجتمعات المخلصين المستهلكين، لابد أن يتعاونوا دائمًا مع الأجهزة الرسمية، ويدفعوا ويتحملوا أثمان ارتفاع تكاليف الخدمات الرسمية للموظفين الرسميين على السلع والخدمات المختلفة، لأن الشعوب هم وحدهم القادرون دائمًا على التحمل، ولابد أن يساندوا البائعين والمنتجين وأصحاب المهن الحرة أو غيرهم، في دفع قيمة الفواتير المباشرة وغير المباشرة، وأن نتحمل بعضنا البعض، وبذلك يتضح جليًّا أن الشعوب دائمًا ظالمة للحكومات!