لم يعد خافياً على النّاس، خصوصاً على السعوديين منهم، بأنّنا نُعاني من غياب تامّ لهويّة المسرح، مُقارنة بالدول الخليجيّة والعربية. وقد جاءت تلك المعاناة في ظلّ غياب التجهيزات الخاصّة بالمسارح التجاريّة، بحيث أصبحت العروض مقتصرة على استغلال قاعات المحاضرات في الكليّات والمدارس الكبرى. وقد كشفت احتفالات الأعياد خلال الأعوام الأخيرة عن حبّ السعوديين للمسرح، ولكن من دون اهتمام من قبل القائمين عليه، فاقتصرت المسرحيّات على تلك القاعات التجاريّة، أو بعض المسارح الخجولة التي تجهّزها بعض الـ "مولات" ومراكز التسوّق، وهي بلا أيّ مقوّمات مسرحيّة، وهي لا تعدو كونها خشبه عالية، أمامها العديد من الكراسي، ويعرض عليها بعض الممثلين مسرحيّاتهم البدائيّة.
لدينا في مدينة جدّة بعض المسارح، ولكن للأسف، لا أحد يستغلّها استغلالاً حقيقيّاً. ومن تلك المسارح، مسرح "أبرق الرغامه"، ومسرح "الغرفة التجاريّة"، وذلك المسرح "المهجور" الذي يتبع وزارة المعارف، والذي نطلق منه العديد من النّجوم والممثلين، وأصبح الأن مرتعاً للأشباح. وللإنصاف، هناك العديد من الممثلين والنّجوم يأملون ويحلمون بعودة المسرح إلى سابق عهده، ولكنّهم مصابون بخيبة أمل كبيرة تجاه التّجاهل الذي يجدونه لتفعيل هذا النشاط الهام كثيراً، خصوصاً في مدينة جدّة، مقارنة بالعديد من المناطق التي تهتمّ أماناتها بالمسرح وبجلب العديد من النّجوم، وتفعيل دوره الإيجابيّ، مثل أمانة الرياض والمنطقة الشرقيّة. وقد رصدنا العديد من المسرحيّات والنّجوم الذين قدّموا مسرحيّاتهم وعروضهم الفنيّة، ووجدوا إقبالاً منقطع النّظير على عروضهم.
زارني في مكتبي العام الماضي النّجم الكوميدي عماد اليوسف، ليُقدّم لي دعوة لحضور مسرحيّته الكوميديّة التي كان ينوي عرضها في موسم العيد؛ وبالفعل أجروا العديد من البروفات للمسرحيّة، التي كان مقرّراً أن يُشارك فيها مجموعة من النّجوم، أمثال عبد العزيز الشمّريّ ومحمد بكر اليوسف وجميل علي. وقد بيعت تذاكر المسرحيّة بالكامل قبل العرض بأيّام، لكنّه قبل أن يُرفع ستار المسرحيّة بساعات، تفاجأ الجميع بإصدار أمر بإيقاف عرض المسرحيّة، وبحجّة أنّ المركز لديه تصريح بإقامة فعاليّات مهرجان صيف جدّة، من أن يحصل على تصريح عرض للمسرحيّة، حيث اعتبر القائمون على مهرجان "صيف جدّة" أنّ المسرحيّة (خارج الحسبة). وتحمّل القائمون عليها خسائر ماديّة وصلت إلى 70 ألف ريال. فإذا كانت الأمانة تتعامل بهذه البيروقراطية في إصدار التصاريح لهذه المسرحيّات، فكيف سنرجوا خيراً للمسرح السعوديّ؟ـ عن نفسي، آمل بأن يتمّ النّظر إلى القطاع المسرحيّ بعين الاعتبار، وأن يجد دعماً واهتماماً من أمانة مدينة جدّة، ومن جمعيّة الثقافة والفنون، وأن يعمدوا الى استقطاب العديد من المسرحيّات التي يُشارك بها نجوم الصّف الأوّل، أسوة بالمنطقة الوسطى والمنطقة الشرقيّة، فالمنطقة الغربيّة واحدة من أهمّ المناطق السياحيّة، وهي أرض خصبة لنجاح وتفعيل أيّ جانب فنيّ، فكيف إذا كان ذلك الفنّ هو الفنّ المسرحيّ، فهل تسمع الأمانة نداءنا أم أنّها مجرّد خربشات كاتب؟.