«عسل أسود» يبرئ أحمد حلمي من الإساءة إلى المرأة..!


عنوان الفيلم «عسل أسود». ورغم هذا، تجاهل البعض «العسل» في الأحداث، وتوقفوا عند «الأسود» منها، فهناك منْ رأى أن أحمد حلمي يسيء إلى مصر بفيلمه الذي تغيّر من «مصر هي أوضتي» و«جواز سفر»، حتى صار «عسل أسود»، وهو الأفضل؛ لأن علاقته وثيقة بأحداث الفيلم، كون مصر التي اختارها أحمد حلمي لتكون محور فيلمه هي «العسل»، وهناك أيضاً منْ زعم أن أحمد حلمي يُناصب المرأة العداء، لرفضه مشاركة ممثلة من الصف الأول البطولة، والحق أن السيناريو يفرض هذا «التهميش». لكن، هناك نماذج على رأسها الأم في الفيلم  ـ أنعام سالوسة ـ وهي مثال المرأة المتفانية في خدمة عائلتها، ورغم تواضع الحال تنفق على ابنها بسبب البطالة، وتستضيف ابنتها وزوجها بسبب أزمة السكن، وتصرّ على تحمّل الجار القديم بعد عودته من أمريكا بنفس راضية.

هذا النموذج وحده يكفي لتبرئة حلمي، لكن الاتهامات بالإساءة إلى مصر ظلت تتصاعد عبر المواقع الإلكترونية، بينما يتأسّى الفيلم على حال مصر، ويبحث عن السحر الذي يدعو البطل «مصري السيد العربي»، للعودة محمَّلاً بذكريات، لكنه يفاجأ منذ اللحظة التي تغادر فيها الطائرة بأن النسيم اختفى ليحلّ التلوث. ورغم الاستقبال الفاتر، فإن حماسته استمرت للفكرة التي سينفذها، لكن التحولات كانت أكبر وأسرع مما تخيل؛ فالوطن تغير، والنفوس والسلوك، والمعدن الأصيل، والشهامة اندثرت ليحلّ الجشع المادي، والمصلحة الشخصية، والشيخ رفعت الذي يتردد صوته لحظة الإفطار، وابتهالات «النقشبندي» تحوّلا إلى صوت في الخلفية، بينما المهانة فاقت الحدود. وفي ظل تدهور الوطن، من فوضى وتلوث وغش تغني داليدا: «حلوة يا بلدي»(!)، فالسخرية لها نصيب في هذا الفيلم بدرجة تجعلك تتساءل عن قدرة هذا البلد على الاستمرار، الوطن الذي يتحرش بمواطنيه، لكن السيناريو يرصد هذا التراجع على صعيد الأخلاق والبنية الاجتماعية، بعيون البطل العائد، الذي يفاجأ بما يحدث له، بينما يقنع الجميع حوله بما كتب لهم. وتطول إهانة البطل الذي استسلم لفكرته الرومانسية عن مصر عندما عاد بجواز سفره المصري تاركًا الأميركي، فدفع ثمن رومانسيته في بلد توحش، ففي المطار تتغير معاملة ضابط الجوازات عندما يعلم أن البطل مصري، والسائق  ـ لطفي لبيب ـ يستغله، ولا يختلف الحال كثيرًا عند سفح الأهرامات، فالنصب جهارًا نهاراً، ورجال الأمن الذين يكنون كل الاحترام للأجنبي تنقلب سحنتهم، ويتملكهم الغضب بمجرد إدراكهم أن البطل «مصري»، وأضحت «الفهلوة» بديلة عن العلم والمعرفة، والتطوع بالفتوى في كل شيء صار سمة، وانتشر «التحرش»!


وعندما وصل جواز السفر الاميركي يتغير الحال إلى النقيض، فأحلام البطل أصبحت أوامر، بما في ذلك «الكلب» الذي توقف عن النباح، في مشهد ساخر، بمجرد أن أظهر له البطل «باسبوره» الأميركي؛ ويتعمد كاتب السيناريو، تضييع «الباسبور» من البطل ليعود إلى نقطة الصفر، لكن البطل الذي عاش في أمريكا، يبدو أحيانا ساذجًا بشكل لا يصدق، وغير مبرر، وسرعان ما يعود الفيلم إلى رصد التحول الخطير الذي أصاب المجتمع المصري في الآونة الأخيرة.