بعد غياب فني طويل منذ عام 1985، حيث شارك في مهرجان جرش الدولي للثقافة والفنون، عاد «فنان العرب» محمد عبده في ثاني إطلالة فنية له في الأردن، بينهما حفل خاص اقتصر على نخبة من وجوه المجتمع، ليلتقي جمهوره ثانية عبر مهرجان الأردن الأول، حيث كذّب مصدر موثوق له صلة بإدارة المهرجان ما نشر حول تقاضي الفنان محمد عبده 175 ألف دولار لقاء مشاركته. وأكّد أنه إثر توجيه دعوة رسمية له من وزارة الثقافة الأردنية وتدخّل شخصيات مقرّبة منه قَبِل تخفيض أجره إلى 75 ألف دولار، كما حصل سابقاً مع «قيصر الغناء» كاظم الساهر الذي فعل الأمر ذاته.
ذهب أمين عام وزارة الثقافة الأردنية الشاعر جريس سماوي لاستقبال «فنان العرب» في المطار، إذ وصلت طائرته القادمة من جدة التابعة للخطوط الملكية الأردنية في منتصف ليل الأربعاء. ورافقه إلى صالة كبار الزوار حيث فوجئ بقناة الكوميديا السعودية والتلفزيون الأردني وإذاعة عمان الأردنية ومندوبة «سيدتي» هناك. فأجرى مع كل وسيلة إعلامية متواجدة حوارات قصيرة، لم تتجاوز مدة كل منها الدقائق. ولما غادر فوجئ بكاميرا برنامج «نشرة روتانا» في انتظاره خارج بوابة الصالة لعدم استطاعتهم دخولها بلا تصريح أمني. فأجرى أيضاً لقاءً آخر سريعاً لـ«روتانا موسيقى». ثم اتجه من المطار إلى مسرح «الأرينا» مباشرة دون علم أحد. فأجرى بروفة جميلة جداً، حسب شهادة العاملين الأردنيين في المسرح، إستمرت للخامسة فجراً رغم شعوره بالتعب والإرهاق.
إلغاء المؤتمر الصحفي
وعد مدير أعماله الفني في «روتانا» المرافق له للأردن شربل ضومط بعض مندوبي الصحف، بحوار صحفي مع «فنان العرب» يسبق مؤتمره الصحفي المقرر انعقاده في الرابعة من مساء يوم الجمعة. لكنه، ورغم عدة مكالمات معه، أخلف وعده حيث اعتبر أن الدردشة القصيرة الجماعية التي عقدها مع أربعة إعلاميين فقط هي بمثابة مؤتمر صحفي وحوارات. لذلك، أعلن يوم حفله عن إلغاء مؤتمره الصحفي واكتفى بلقاء قصير في المطار بأربعة صحفيين، اثنين منهم يعملان في الإعلام الرسمي لنصف ساعة فقط واعتباره بديلاً من المؤتمر الرسمي.
لقاء مع «فنان العرب»
«سيدتي» حصلت على تصريح خاص لاستقباله في مطار الملكة علياء الدولي في صالة كبار الزوار حيث التقته بحوار قصير جداً قبل حفله بيوم وسألته:
غبت عن مهرجانات الأردن لأكثر من 25 عاماً إثر مشاركتك الفنية الأولى في مهرجان جرش الدولي للثقافة والفنون عام 1985. ثم طال غيابك، فأين موقع الأردن في مسيرتك الفنية؟
هذا صحيح، أول طلة فنية لي في الأردن كانت في مهرجان جرش الدولي عام 1985 الذي كان برعاية الملكة نور الحسين. وشاركتني الغناء في هذه الدورة المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة، ومن مسرح جرش انطلقت إلى كافة المهرجانات العربية، فنجحت أنا أكثر، ونجح هو بفضل بركة الله سبحانه وتعالى، وأصبح واحداً من أهم المهرجانات العالمية.
إذاً، أنت تعترف بأن مسرح جرش الروماني البهي العتيق قد أسهم في انطلاقتك العربية؟
إن أردت الدقة، الفائدة كانت مشتركة بيننا نحن النجوم العرب وبين هذا المهرجان، لقد فعّلته مشاركتنا فيه فنياً، وأفادنا هو جماهيرياً وعربياً.
وانطلاقتي الحقيقية معروفة للجميع وهي كانت من مصر، لكن مشاركتي الأولى والحقيقية في مهرجانات رومانية ومسارح مفتوحة كانت من خلال مهرجان جرش الذي كان مميزاً جداً إلى جانب مهرجان قرطاج. لكن يظل لمهرجان جرش خاصية قربه من الدول الخليجية. لذلك، حقق شعبية عربية واسعة في بلاد الشام والخليج العربي.
والأردن بحاجة لأدوات جذب سياحية تستقطب السائح العربي وإطلاق مهرجان الأردن مبادرة سياحية وفنية جميلة أرجو لها النجاح والتطور.
مهرجان الأردن تحدّى الأزمة الاقتصادية بـ «قيصر الغناء» كاظم الساهر وبك حيث بيعت كل تذاكركما. وامتلأ المسرح بالآلاف. فهل توقعت كل هذا الإقبال الجماهيري على حفلك، أم انتابك بعض الخوف من أن تلقي الأزمة بظلالها السوداء على ليلتك؟
كنت أعرف مسبقاً بتعطش الجمهور الأردني إلى صوتي، واشتياقه لرؤيتي بعد طول غياب. لهذا، لم ينتابني أي قلق أو خوف.
عرضت عليك المشاركة في الدورة التحضيرية لمهرجان الأردن عام 2008؟
بالفعل، لقد عُرضت عليّ المشاركة في دورة العام الماضي التحضيرية لمهرجان الأردن وتعذّر عليّ الحضور. أما هذا العام فجئت، وكانت الدعوة السابقة غير رسمية عكس الدعوة الحالية التي أتتني رسمياً من وزارة الثقافة الأردنية.
ما الذي يميّز المستمع الأردني عن غيره؟
حاجته الماسة للطرب الراقيِ الذي يبحث عنه، وأرجو أن أنجح عبر مهرجان الأردن بتقديم ليلة طرب عربية راقية وعذبة له. وما أتمناه دوماً أن يكون الحفل راقياً والجمهور حميماً وشعبياً في آن معاً.
هل ستقدّم أغنيتك الدويتو «افترقنا سنين» التي صوّرتها مع أصالة؟
بالطبع لا، لأنها لا تصلح للغناء منفردة، بل هي أغنية «دويتو» بكل مكوّناتها الموسيقية والشعرية.
وبماذا ستميّز مهرجان الأردن؟
سأغني على مسرح «الأرينا» في مهرجان الأردن لأول مرة عربياً أغاني ألبومي الجديد.
أما عن زواجه فاكتفى بجوب مختصر:
لا أحب أن تتناول الصحافة خصوصياتي، فحياتي الخاصة خط أحمر.
ديانا كرزون لا تلقى تفاعلاً
بدأ الحفل قبل الثامنة والنصف بدقائق مع «السوبر ستار1» المطربة الأردنية ديانا كرزون التي تجاوزت مرارة فشل حفلها مع النجم التركي «الأسمر» على المسرح ذاته. وجاءت بثقة وأناقة هذه المرة للغناء في حفل مشترك مع «فنان العرب» محمد عبده. فغنت قديمها وجديدها في 40 دقيقة، وافتتحت وصلتها بـ «يا محجلة» تلتها أغان أخرى من أبرزها: «شايف عليّ نفسك» و«جرح» و«إنساني ما بنساك». وبشهادة الجميع، حتى الصحفيين المختلفين معها، أجمعوا على جمال أدائها لكنها لم تلق تفاعلاً من الجمهور الذي هو بالأصل جمهور محمد عبده لا جمهورها هي. لهذا، لم يبد أيّ تفاعل أو تجاوب يرقى إلى مستوى أدائها الرفيع الذي كشف استعدادها التام لهذه المناسبة، بدءاً من أدائها الجيد إلى أناقتها وتسريحتها الشينيون التي اختارتها ربما لتتناسب ورصانة الحفل بوجود أكثر النجوم العرب رصانة وموهبة: أبو نورا.
الجمهور أتى من كل الدول العربية
إستولى محبّو طرب «فنان العرب» محمد عبده من السعوديين والخليجيين على مقاعد الدرجتين الأولى والثانية. وأعلن صراحة أن هذا الجمهور هو جمهور محمد عبده الذي أتى من كل البلدان المجاورة. ومن بينهم عدد من المصطافين العرب واللبنانيين والمواطنين الأردنيين. ظل الجمهور هادئاً طوال فترة وصلة كرزون الغنائية وتفاعل قسم منه حين غنت لونها الأردني فقط لا أغانيها الخاصة.
إنتقاد
إنتقد الصحفي المعروف طلعت شناعة في صحيفته «الدستور» وآخرون اختيار مذيعة راديو «صوت الغد» الأردن جيسي أبو فيصل التي أخطأت باسم ديانا كرزون وقالت: ديانا حداد، ولما تداركت خطأها قالت بخفة ظل: «كلهن ديانا لا مشكلة»، والإعلامي التونسي سامي، لتقديم الفنان السعودي محمد عبده، كأن الأردن يفتقر لوجود مذيعات ومذيعين أكفّاء مثل: هاني البدري ورنا سلطان وأسيل الخريشا أو فنانين شباب مميزين.
محمد عبده والشاعر جريس سماوي
تهنئة خاصة من محمد عبده
دخل «فنان العرب» محمد عبده وهو بأفضل حالاته النفسية والفنية مسرح «الأرينا» الذي امتلأ بخمسة آلاف متفرج وقفوا جميعاً لتحيته، وقد خلعوا عنهم رداء الهدوء والسكينة وارتدوا عباءة الفرح والطرب، وظلوا يصفقون له لدقيقة وأكثر، واستقبلوه بطريقة حميمية حارة خارجة عن المألوف، وهو من خطوته الأولى ماشياً على المسرح، رفع يده مبتسماً، وحيّا الجمهور. وسار في كل اتجاهاته من بداية المسرح لآخره. ثم وجّه كلمات معطرة بأشواق سنين من الغياب عن مهرجانات الأردن الكبيرة والرفيعة المستوى قائلاً: «مساؤكم خير ومعطّر بأريج جبال الأردن الشقيق ، أتمنى أن تكون ليلتنا هذه سعيدة بمناسبة المولود الجديد عبد اللطيف لوزير الثقافة الدكتور صبري ربيحات»، بهذه الكلمات قابل حفاوة الوزير ووزارته به مهنئاً إيّاه بمولوده البكر.
ثم طار «فنان العرب» محمد عبده بجمهوره على بساط الطرب، وأوقد بأدائه العذب شعلة الرومانسية بأولى أغانيه المقدمة في مهرجان الأردن: «شبيه الريح»، ومنها انتقل إلى أغنية «حطني جوا عيونك» و«قسوة» التي زادت من تفاعل الجمهور. فتمايل شباب خليجيون كثر على إيقاعات أدائه الذي نافس به إيقاعات فرقته الموسيقية التي تعدّ أكبر فرقة حيث يتجاوز عددها الـ 40 عازفاً قدموا معه من الخارج.
في ليلة عبده الطربية هذه أصبح للطرب في مهرجان الأردن عنوان هو محمد عبده، حيث وصفه أحد عشاقه ومحبي صوته قائلاً: «حفلته اليوم من أجمل حفلات محمد عبده الذي أتابعه دائماً، ويستحق على أدائه أن تلقّبوه بـ«سفير الأغنية الخليجية الرومانسية».
وساهمت طريقة استخدام إضاءة المنصة والمسرح من خفوت كامل ثم سطوع لثوانٍ في إضفاء الرومانسية على المكان الذي امتلأ بجمهور عربي من كل الجنسيات.
وبذات الإطالة وعمق الأداء قدّم عبده باقي أغانيه التي يحفظها جمهوره عن ظهر قلب حتى الجديد منها خاصة «معازيم» و«مغرورة» و«يا خوي يا اللي بغزة» التي تفاعل معها الجمهور جداً.
الزميلة سميرة حسنين والفنان محمد عبده
وزير الثقافة الأردني يكرّمه
وتربعت أغنيته الشهيرة «الأماكن» على القمة في الحفل، لشدة تفاعل الجمهور معه، حين أدّاها بكل ما في صوته من رخامة وحلاوة. فتمايل الجميع بسعادة حقيقية نادرة هذه الأيام في ظل خوف الأردنيين من تأثيرات الأزمة الاقتصادية التي هزمت أمام محبتهم له حين نفدت تذاكر حفله رغم ارتفاع ثمنها، فالأولى بـ 40 ديناراً، والثانية بـ 30، والثالثة بـ 20، وترحمهم على مهرجان جرش وأسعار تذاكره الزهيدة التي إن ارتفعت، لم تكن تتجاوز الـ 20 دولاراً. لكن جمهور «فنان العرب» يحضر إليه غير مبال بالمسافات البعيدة ولا بارتفاع تذاكره.
غناؤه للـ «الأماكن» جعل جزءاً كبيراً من جمهوره يغادر ظناً منهم أنه سيختم حفله بها. إلا أن الإعلامية اللبنانية أبو فيصل بشّرتهم بأنه سيواصل الغناء بعد تكريمه. ثم صعد وزير الثقافة الأردني الدكتور صبري الربيحات إلى المنصة وكرّمه هو وكرزون. ومنحهما درع المهرجان الفسيفسائية أمام الآلاف. لكن خروج نصف الجمهور من الحفل، جعل محمد عبده يغني بعد تكريمه بعض الوقت. ثم ختم مبكراً تاركاً عبق ليلته الطربية في المكان ناثراً الخوف في قلب من سيغني بعده ولا يحقق ما حققه من نجاح وتفرد نادرين.
ومضى حاملاً لقباً جديداً يضاف إلى ألقابه الكثيرة هو لقب: «مقام الوجدان العربي» الذي أطلقه عليه وزير الثقافة الأردني بكلمات مرتجلة تأثراً بروعة أدائه الذي زادته الخبرة عذوبة وقدرة على تطويع النغم والشعر.