مهندس الديكور أحمد القاضي: أذواق الناس تختلف وتتشكل عبر العصور

 من أعمال مهندس الديكور أحمد القاضي
من أعمال مهندس الديكور أحمد القاضي

شيَّد الخديوي إسماعيل، عامَ 1869 للميلاد، «سراي الجزيرة» في ضاحيةٍ، تقعُ وسطَ الماءِ، وتتجمَّعُ فيها أكواخٌ خشبيَّةٌ للصيادين. القصرُ الذي عُرِفَ فيما بعد بـ «فندق الماريوت»، الذي منحَ جزيرةَ الزمالك عراقةً، ما زالت مستمرَّةً إلى اليومِ. وعليه، لم يكن غريباً، أن يختارَ أحمد القاضي، مهندسُ الديكور، هذا «الحي الشهير»، ليكونَ مكانَ سكنه، ويُحوِّل شقَّته، التي بُنيت قبل نحو 100 عامٍ، إلى معرضٍ صغيرٍ، يضمُّ لوحاتٍ، وتحفاً، وقطعَ «أنتيكٍ» من عصورٍ مختلفةٍ. المعرضُ، الذي أصبح جزءاً من شخصيته، يتعاملُ القاضي مع موجوداته معاملةَ «الأصدقاء»، إذ يعيشُ بينها أسعدَ أوقاتِ حياته، على حدِّ وصفه.. في لقائنا الخاصِّ به، الذي اشتملَ على جلسةٍ تصويرٍ حصريَّةٍ، تعرَّفنا في «سيدتي» على هؤلاء «الأصدقاء» الذين يعيشُ معهم منذ نحو 25 عاماً، كما أخبرنا عن ذوقِه في التصميم.

 

تنسيق :سارة مرتضى
حوار:مصطفى عبد العال
تصوير:يحيى العلايلي

 

دعنا بدايةً نسألك عن دراستِك، هل ترتبطُ بمجالِ عملك؟

تخرَّجتُ في كليَّةِ الفنونِ الجميلة أواخرَ التسعينيات. مجالُ عملي، كان بدايةً في العمارةِ الداخليَّة، أي الديكور، لكنني اتَّجهتُ فيما بعد إلى تصميمِ الإعلانات، وهو مجالٌ يزخرُ أيضاً بالفنِّ والإبداع، وبعد أعوامٍ من النشاطِ فيه، عاودني الحنينُ للديكور، فتخلَّيتُ عن التصميم، وعُدت مجدَّداً إلى هندسةِ الديكور.

اللوحاتُ، والتحفُ، و«الأنتيكاتُ» التي تضمُّها شقَّتك، هل هي مقتنياتٌ شخصيَّةٌ، أم قطعٌ للتجارة، أي هل تدخلُ في إطارِ المهنة؟

صور خاصة من تصميم يحيي العلايلي

سؤالٌ مهمٌّ، ويحتاجُ إلى توضيحٍ. مجالُ التحفِ في الأساسِ هوايةٌ لدي، وأي إنسانٍ يعملُ في مجالِ «الأنتيك» دون حبٍّ وهوايةٍ سيفشلُ بالتأكيد. لا بدَّ على الشخصِ، أن يمتلكَ الرغبة، فهذا العملُ، يحتاجُ إلى صبرٍ كبيرٍ، وأن يقوِّي حبَّه للمهنةِ بالبحثِ عن كل جديدٍ فيها، فبالخبرةِ والممارسةِ، يتقنُ الإنسانُ أي عملٍ مهما كان صعباً. من جهتي، حوَّلت هذه الهواية إلى مهنةٍ، وأنشأتُ «جاليري»، يضمُّ لوحاتِ فنانين مصريين معاصرين، وقطعَ أثاثٍ، تعودُ إلى حقبة ما بين عامَي 1920 و1950، فهذه الحقبةُ، هي معيارُ سوقِ الديكورِ العربي بشكلٍ عامٍّ.

حي الزمالك للباحثين عن الهدوء

يشتهرُ «الزمالك» بأنه حيٌّ للباحثين عن الهدوءِ من الفئاتِ العمريَّةِ الكبيرة، لماذا اخترته، وأنت لا تزالُ شاباً؟

هذه حقيقةٌ مؤكَّدةٌ عن «الزمالك»، لكنَّ نشأتي مع أسرتي في هذا المكانِ الجميلِ، دفعتني إلى أن أقتني شقَّةً فيها حتى أكون قريباً منهم. الشقَّةُ مساحتها 120 متراً مربعاً، وهي ليست كبيرةً، لكنها مناسبةٌ لي، لأنني أعيشُ بمفردي، واشتريتها قبل نحو 25 عاماً.

لم أغيِّر في أساسياتِ المكانِ كثيراً حتى يحتفظ بأصالته، فهذا العقارُ، بُني قبل 80 عاماً، وطلبت صاحبتُه مني الاحتفاظَ بأرضياتِ «الباركيه»، والبلاط الموزاييك، والنوافذِ الخشبيَّةِ العتيقة، فكلُّها تضفي على المكان سحراً وجمالاً قد لا نجدهما في أماكنَ حديثةٍ كثيرةٍ.

العيشُ في شقَّةٍ، تضمُّ لوحاتٍ وتحفاً من مختلفِ العصور، هل يعبِّرُ عن وجهةِ نظرك بوصفك فناناً، أم عن رؤيتك الإنسانيَّة؟

بما أنها شقَّتي الخاصَّة، فكلا الأمرَين يبرزان فيها، فالفنان الذي في داخلي يتأثَّرُ بإنسانيتي، والعكسُ صحيحٌ. لقد فضَّلتُ السكنَ في حي عتيقٍ، شُيِّد قبل مئاتِ السنين، وامتنعتُ عن شراء أثاثٍ جديدٍ، لأنه يفتقدُ إلى الروحِ، فأنا من محبِّي اقتناءِ الأغراضِ التي تحملُ تاريخاً، وأن تكون هناك قصَّةٌ وراءها. من جانبي، لا أعترفُ بالجديد، وهو لا يساوي عندي شيئاً، لذا ستجدون أن شخصيتي، ترتبطُ بالديكورِ والأثاث.

ما أبرزُ المقتنياتِ لديك من حيث القيمة الفنيَّة، أو التاريخيَّة؟

صور خاصة من تصميم يحيي العلايلي

أستطيعُ القولَ إن القطعَ الموجودةَ في الشقَّة، تحملُ قيمةً تاريخيَّةً وفنيَّةً معاً، فغالبيتها تعودُ إلى الحقبةِ بين عشرينياتِ القرنِ الماضي وخمسينياته. هناك قطعٌ «أنتيك»، ولوحاتٌ، وأثاثٌ، اقتنيتها من مزاداتٍ ومعارضَ، أقيمت في أوروبا وأرجاءٍ أخرى من العالم، منها مصر. بعضُ هذه المقتنيات، عرفتُ تاريخها عندما اشتريتها من المزاداتِ، لأنها موثَّقةً، بينما حصلتُ على أخرى من أشخاصٍ، لم يحدِّدوا تاريخها، وربما لم يعرفوا قيمتها الحقيقيَّة. على سبيل المثالِ، قطعُ الإكسسواراتِ التي توجدُ على الطاولاتِ، والفضياتُ بالكامل تركيَّةٌ وموثَّقةٌ، وعليها ختمُ السلطان عبدالحميد، وغالباً تعودُ إلى القرنين الـ 18 والـ 19. أمَّا الأباجوراتُ في ركنِ السفرةِ فمن صناعةِ المهندس أبو سعدة، بينما صنعَ التماثيلَ مجموعةٌ من أشهرِ الفنانين، منهم أحمد عسقلاني، وجمال بسيوني، وآدم حنين، ومحمود مختار.

تفاصيل المكان وشخصيَّة الإنسان

كيف يمكنُ قراءةُ شخصيتكَ من مقتنياتِ مكتبك؟

تفاصيلُ المكانِ، هي التي تُظهرُ شخصيتنا في بيوتنا. مسكني يُعلن عن أحمد القاضي تماماً، إذ وضعتُ على سطحِ المكتبةِ تمثالاً لمحمود مختار، ومسلَّةً مصريَّةً، وتمثالاً عسقلانياً، وصورةً لوالدتي في إطارٍ بسيطٍ. أمَّا تصميمُ المكتبِ، فيشبه تصاميمَ ثلاثينياتِ القرن الماضي، ويتضمَّنُ عدداً من لوحاتِ علاء أبو الحمد، وهو فنانٌ مصري من الأقصر، إلى جانب لوحةٍ للفنان جمال بسيوني عن «أوز الميدوم» الفرعونيَّة، ولوحة فاتن حمامة.يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

التعامل مع العميل

عندما تتَّفقُ على ديكورِ منزلٍ، هل تراعي شخصيَّةَ العميل، أم تفرضُ بصمتك بوصفك فنانَ ديكورٍ؟

صور خاصة من تصميم يحيي العلايلي

بدايةً، طبيعةُ عملنا، ليست إنشاءَ منزلٍ، أو عمارةٍ. نحن نتسلَّمُ بيتَ العميلِ خالياً، أي بعد الانتهاءِ من تشطيبه من الداخلِ، لذا نكون بعيدين تماماً عن التصميمِ المعماري، ونتَّفقُ مع مالكه على ما يرغبُ به في المكان، ونتعاملُ مع العملِ عقب دراسةِ شخصيَّة العميل، التي تنعكسُ لنا في طلباته. يتمُّ تحديدُ ذلك خلال جلساتٍ عدة معه، حيث نتحدَّثُ حول أمورٍ كثيرةٍ، لا علاقةَ لها بالمكانِ، ولا الديكورِ، بل بموضوعاتٍ عامةٍ في مجالاتٍ مختلفةٍ، ليتكوَّن لدينا رأي عن شخصيَّةِ صاحب المكان وذوقه. ليس مقبولاً، أن تعيشَ الناسُ وفق شخصيتي، بل وفق رؤيتي، مع تخطيطٍ مسبقٍ، يناسبُ ذوقَ أفرادِ الأسرة.
تابعي أيضاً: طرق جذّابة لدمج الديكورات الخشبية بالصالة المنزلية