أسير في الحياة، أبحث عما يبحث عنه الآخرون، ألمح تعريفاً لما أبحث عنه على رف الزمن، أنفضه وأقول: شبيه بما أبحث عنه ولكن ليس هو، أمر من أمام المنابر وأسمع حديثاً يُشبه ما أبحث عنه ولكن لا أريد لأحد أن يدلني على طريقي..
إنها غاية يطمح إليها كل بني البشر، هل هي طريق نسيره أم طريقة نتبعها؟ لا أعلم، تائه في تعريفها كتيه الطائر في السماء، يملك جناحيه، لكنه لا يملك مكاناً يقصده.
بعض الكلمات تختزل دلالات تعنيها الكلمة، فما الذي يعنيه مفهوم السعادة؟
لا يُفهم البحر من النظر لأمواجه، وكذلك السعادة لن تفهمها وأنت على قارعة الطريق تصيح "أريد سعادة يا الله" وكأنك متسول والمارة معبئة جيوبهم بالسعادة!
إن السعادة هي مفهوم ذاتي يعرفه كل شخص من وجهه نظره، ونتفق جميعنا أنها ليست سراباً، ولكن الطرق مُضللة ونحن بشر لا يشبع الطين فينا.
لا أستطيع أن أعطي السعادة تعريفاً، لأني أؤمن أن كل شيء يتم عبر الحواس للإنسان حق ذاتي في تعريفه من وجهه نظره، نستمر في عملية السعي وراء السعادة، فهل هي حقيقية؟
إن السعادة موهبة التأمل، إسقاط الدهشة على صغائر الأمور مثل طفل صغير شاهد البحر للمرة الأولى وقال: "كل هذه المياه يا أبي؟".
يقول أبي إن السعادة تتلاشى حين نعتاد الأمور، فغروب الشمس من أعظم المناظر الطبيعية التي صقلها الله في السماء أمام ناظرينا، وإنه شعور يمنح الراحة والراحة إحدى أفراد السعادة، ولكن الاعتياد دخل حياتنا وبات يُنغص نظرتنا للأمور!
علينا ألا نروي دهشتنا بالاعتياد، لأن السعادة ينطفئ لهيبها إذا قال الإنسان عن كل شيء يُصادفه "عادياً" وهنا أذكر مصطلحاً يُخالف السعادة وهو اللامبالاة ومفهومها الصريح فقدان الشعور، فكيف تعبر فينا الأحاسيس إذا بطل الشعور؟
إذاً، مقاومة الاعتياد هو السعادة.
من هنا أصرح أن السعادة إحدى مصادر رزق وإيمان الإنسان، وهذا شعور حقيقي شعرت به من قبل، حين وهبني الله الشعور الحقيقي بعد عمر من البلادة، نظرت للكون من حولي، تأملته، فزارني فرح هادئ يهمس في عقلي أن السعادة لن تأتي إليّ إن لم أتحرك، وأحرك دفتي وتقلبني أمواج بحر الحياة، حين شعرت بالحقيقة تلامس جدار قلبي، ابتهجت وفتحت يدايّ للحياة وقلت أقبلي.
لا تسرْ في طريق اختاره غيرك، لن تجد السعادة التي تطمح إليها روحك.
هل السعادة هي نهاية رحلة البحث عن السعادة أم الطريق لها؟
هل السعادة مجانية؟ لا، ولا تُقدم مع القهوة مجاناً في المقاهي التي تبث فيك شعوراً بالألفة للحظات ثم تُغادر مع وجوه الأصدقاء، السعادة هي شعور ثمين، علينا أن نُقدره لنشعر به حقاً، فما هو ثمن السعادة الحقيقي؟ تقدير اللحظة، السعادة هي التأمل، والتأمل بمعناه الخالص من دون تدخل الفلاسفة وأطباء النفس. التقاط اللحظة والتمسك بها، قل أنا هنا في هذه اللحظة وانعم بها، السعادة هي فن عيش اللحظة.