خلقَ اللهُ تعالى البشرَ جميعاً، وجعلنا سواسيةً لا فرقَ بين شخصٍ وآخر، وعلَّمنا لغةً، نتواصلُ بها فيما بيننا بأسلوب وطريقةِ خطابٍ راقيين، نصلُ بهِ القلوبَ قبل العقولِ، فكلَّما كان الخطابُ راقياً، وصلَ المتحدِّثُ إلى مبتغاه من الآخرِ.
وللخطابةِ إتيكيتٌ يختلفُ من مكانٍ لآخر، ومن زمنٍ لآخر، فإتيكيت التحدُّثِ مع الطفلِ الصغيرِ يختلفُ عن إتيكيتِ الخطابةِ مع الرجلِ البالغِ، وعن أصحابِ الشَّخصياتِ المرموقةِ.
في سنةٍ من السنواتِ، كنتُ مديرةً لمدرسةٍ تقنيةٍ للشيخ نهيّان بن مبارك، مديرِ التعليمِ العالي آنذاك، وذلك عام 2013. أذكر أنَّ شخصاً وقتها قال لي: إنني مديرةُ مدرسةٍ، ولا بدَّ أن أفرضَ سيطرتي وهيبتي على الآخرين، بحكمِ منصبي ومكانتي، وعملي مع الشيخ نهيّان.
إنَّ النظرةَ السابقةَ، يمتلكها كثيرٌ من البشرِ، بأنَّ المنصبَ هو الذي يتحكَّم بهم، ويحدِّدُ سلوكهم، وطريقةَ تعاملهم مع غيرهم! لكنْ من وجهة نظري، أنا مايا الهواري، القصَّةُ ليست قصَّةَ هيبةٍ ورزانة، بل لا بدَّ من تثمينِ الموقفِ، أي بمعنى آخر، يجبُ معرفةُ المكانِ والموقفِ الذي أنتَ فيه، ومعرفةُ مكانةِ وقدرِ الأشخاصِ المتحدَّثِ إليهم، ومركزهم الوظيفي، وموقعهم السياسي، وعلى هذا الأساسِ يتمُّ اختيارُ الكلماتِ المناسبةِ، وطريقةِ الكلامِ، وآليةِ النقاشِ، وهذا أمرٌ في غايةِ الأهميةِ، إذ إنَّ طريقةَ الخطابةِ لا بدَّ أن تتزيَّنَ بدرجةٍ من الاحترامِ، لا يجبُ تجاوزها أياً كان الشخصُ، فالقائدُ في اجتماعهِ مع موظَّفيهِ، لا ينبغي أن يُوبِّخَ موظَّفاً أمام زملائه، بل عليه احترامُهم من صغيرهم لكبيرهم، ومخاطبتُهم بكلِّ رقي.
أضِف إلى ذلك إتيكيتُ الحديثِ الذي يتطلَّبُ معرفةَ الشخصِ المتحدَّثِ إليه، وتثمينَ مكانتهِ في المجتمعِ.
وأيضاً المجاملةُ في الحديثِ وصداها الكبير، فبعضهم يلجأُ إلى هذه الطريقةِ، ويبدأُ بكلماتِ الإطراءِ المُبالغِ فيها، خاصةً إذا كان أمامه شخصٌ يتمتَّعُ بمكانةٍ مرموقةٍ في المجتمعِ، أو صاحبَ منصبٍ رفيعٍ.
ما ينبغي قولهُ في هذا المقامِ: إنَّ احترامَ الشخصِ، والإحسانَ إليه، والتحلِّي بأخلاقِ النبي الكريمِ، عليه الصلاةُ والسلامُ، لا بدَّ أن يكونَ واحداً مع الجميعِ، لا تمييزَ، ولا تفرقةَ بين عاملٍ صغيرٍ، ومديرٍ كبيرٍ بطريقةِ الكلامِ والخطابِ "فلا فضل لعربي على أعجمي إلَّا بالتقوى"، والأدبُ والذوقُ والإحسانُ والطيبُ واحدٌ مع الجميعِ، مع الأخذِ بعينِ الاعتبارِ، كما سبقَ وذكرتُ، تثمينَ الشخصِ، ومعرفةَ مكانتهِ وشخصيتهِ، ليتمَّ التحدُّثُ معه بأسلوبٍ يناسبُ موقعهُ الوظيفي، ومخاطبتهُ بدبلوماسيةٍ، وطريقةِ إقناعٍ معيَّنةٍ، وآليةِ نقاشٍ، ومستوى صوتٍ، ولغةِ جسدٍ مناسبة.
والاتفاقُ الذي لا يختلفُ فيه اثنان، أنَّ إتيكيت ديننا الحنيفِ، هو احترامُ الجميعِ دون تمييزٍ وبدرجةٍ واحدة.