كانت أمي تصف الصباح أنه وقت مستعار من الجنة، وكانت تقول لنا إن الجنة عبارة عن وقت صباحي فقط، وتحثنا بقول إننا لو أحببنا الصباح وعاملناه بمزاج جيد، سيكون لنا مكان في الجنة؛ لأنه هو الوقت الذي تسير عليه بقية يومك. الحقيقة، هذه عادة دمرت لي حياتي تالياً، فإذا فقدت الصباح، فقدت يومي بأكمله، لم أتخلص من هذه العادة مطلقاً، على الرغم من مجيء أمي بالأحلام تسكب الماء على وجهي وعلى قلبي أحياناً، ولكني غيرت تقويمي بعد ذلك، نقلت الصباح إلى مكان بعيد، في ذاكرة النوم، وأتيت بالليل كله في حضني وتحت عيوني.
هكذا كانت حياتنا، معلقة على لعبة، إذا مات بها، عدت إلى البدء من جديد، يقف ورائي يُحذرني، كنت أقول له:
إذا مت ألعب أنا، صحيح كبرت
ولكن قلبي مثل أول
أتذكر حينما تنسج أمي الصوف
وأتساءل من ينسج قلبي الذي تألفه بعض من حجارة الألم وبعض من حجارة الأمل؟
جمر مخلوط بورق الورد حتى حينما تدوسه الأقدام، ينتشر ريحة الزهر في قلبي. الشخص البائس داخلي ما زال يعيش ولا أقوى على قتله، فهو في صراع مع الشخص المتفائل، وكأنني أعاني من انفصام الروح لا انفصام الشخصية. ولكن متى أعلم أي روح هي لي وأي روح هي دخيلة. نعم،
كل شيء مؤجل، حتى حان موعد موته
إن الله يأخذني إلى ما أريد دون أن أزيد
لا عيب أن نطلب من الله المستحيل
ولكن آباؤنا وأمهاتنا همسوا لنا في الصغر
"مد رجلك على حجم غطائك"
ألا يجوز لي أن أخيط غطاء الطفولة مع غطاء المراهقة إلى أن أخيط جميع أغطية مراحلي العمرية، فهكذا سأمتلك غطاء بحجم جسدي وأكبر!
لكم تمنيت أن يكون بمقدوري أن أزيل ما حشوته الأيام من ذكريات من رأسي، واستبدل الألم بالأمل والأحلام بالتحقيق، ولربما استبدلت الفراغ بغيمة تمطر بقدر مما أتمنى بلا ثمن، فما العيب أن تمنيت ودعيت الله بالمستحيل!
في إحدى الليالي قررت أن أصلي القيام في الشارع بدلاً من المنزل، لم أكترث لريحة المطر ولا سواد الظلام، فقد كان يكفيني نور السماء، ودعيت بصوت لا أعلم كم كان عالياً ومسموعاً حتى سمعت صوت أمي تردد من خلفي: اطلبي من الله على قدر ملكه، ومضت بعدما هدهدت على كتفي وقبلت رأسي.
وعام بعد عام تعلمت، اطلبوا من الله على قدر ملكه لا على قدر أحلامكم، ملك السماوات والأرض، لا يعجزه شيء أو أحد، فاطلبوا المستحيل وأنتم واثقين تمام الثقة بأن الله سيجمعكم بما تريدون لو بعد حين. فالحياة لعبة، إذا مت العب من جديد وابدأ من جديد وادعو من جديد ولا تكتفي ما دمت حياً.