لم يعد الإنسان يجدي نفعاً في هذه الحياة، لقد دمر الأرض، من دون قصد، وبجرأة يحاول الانتقال إلى كوكب آخر، ليشبع غريزة البحث وهوس السيطرة فيه.
الإنسان بذرة، تُنميها التربية، يسقيها المجتمع، يبارزه الشيطان، تحصده الحياة التي يتشبث بها، أنا فررت من فقاعة المجتمع ومن سيف الشيطان، لأني داريت على البذرة فيّ بقليل الإيمان ووافر الثقة بأن الله يرعاني.
أنا الإنسان الذي يجول في ذاكرة الأرض ويراقب الشمس والإنس، متسائلاً عن الخطوة التالية للمستقبل، على الرغم من أننا وصلنا إليه بشق الأنفس!
أخلع عن عيني النظرة الزجاجية التي أضافوها كطرف صناعي للبشرية أجمع، لنرى بعين جماعية، وأنظر بالعين الحقيقية التي وهبني الله إياها، وأتمعن النظر في بلاد الشرق، حيث بحيرات الدماء، والمقابر الجماعية، والموت سائحاً يقضي ليله معلقاً على القمر، وفي الصباح نجده في حفرة جثث باردة، وحين أدير ظهري لأنظر إلى بلاد الغرب التي حلم آباؤنا العيش تحت ظل ديموقراطيتها الماكرة، أجده على التلفاز يعقد اجتماعاً طارئاً ليردم بحيرات الدم بمشاريع نفط.
أقبح ما صنعه الإنسان هو التباين في المصطلحات، فالإرهاب في الشرق يختلف عن بلاد الغرب، في الشرق يحبون الدماء فيسيلونها، في الغرب لا يطيقونها فيخبئونها جيداً بعد كل عملية ذبح لبلاد عربية.
أتساءل عن شيطنة الإنسان الذي بعث كل هذا الفساد، ويقشعر بدني أنهم واثقون من امتلاكهم جياد المستقبل.
لا انشقاق القمر يبعث فيهم رعباً إلهياً، ولا أظن إذا انبعث الأموات من قبورهم سيشل حياتهم، سيواصلون كأنهم مصنوعين من نار، والنار لا تتأثر من مثيلاتها.
أتساءل كل يوم والحشد في طريقه للكمال: لماذا لا يقبل الإنسان حقيقة أنه ناقص؟ أن سعيه للكمال وحده دليل نقص؟!
وأنه مهما بلغ من آفاق، تلازمه فكرة أنه لم يبلغ هدفه بعد، كأن الأهداف لغز، إذا ما وصل لهدف، انفتح أمامه الطريق ليحل لغزاً آخر، وفي أحياناً أخرى يموت وسط اللعبة "الحياة" وهو مرتعد من فوات الأوان، قبل أن يقتنع أن الوصول للمستقبل لا يحتاج لعجلات زمن، بل لأقدام ثابتة يأتي الزمن عندها.
لماذا كل هذا السباق نحو المستقبل والموت ماكر، يحب أن يخنق الحياة فينا، ومتجولاً في كافة الطرق، يصادفك مذنباً أو تائباً، سيحمل روحك بما حصدت ويرسلها؟، السؤال ينخر دماغي: هل نحن حقاً نسير نحو المستقبل؟ أشك في أننا نسير نحو الخلف، تماماً للزمن الذي قتل هابيل قابيل، وعلمه الغراب دفن الجثث، والمَلَك فينا حائر ماذا يفعل بكل هذه الجثث؟.
وهو يخطو نحو المستقبل في بلاد شرقية ودعني قائلاً: "سنصاب بالحرب، إلى حينها سأعيش".