"تَراسُل الحَوَاس" أو "الحاسَّة السَّادسة"، مِن القَضايا التي تَشغل مَكاتب وأمَاكن عُلماء الطّب النَّفسي، مِن حيثُ رَصْد الظَّاهرة ووَصفها، وكيف تَقع.. بَعد أن ثَبتَ لديهم - مِن غير ريب - وجودها وبشَكلٍ مُتكرِّر..!
ومِن أهم إنتَاجات "الحاسَّة السَّادسة" ما يُسمَّى بـ "تَناقل الأفكَار" Telepathy، وهي تلك الأموَاج التي تطلقها النَّفس، لتَتجاوَب مَع مبتَغاها في الجهات الأربع..!
حَسناً لنَأخذ مِثَالاً:
يَقول عَالِم الاجتماع المُتألِّق د. "علي الوردي" - رَحمه الله - ما يَلي:
(حدّثني صَديق فقَال: إنَّه كان، ذَات مرَّة، يَطلب شيئاً مُعيّناً، وقد بَحث عَنه في كُلِّ مَكان فلَم يَجده.. وبينما كَان يَسير بسيّارته حَائراً لا يَدري مَاذا يَفعل، خَطر له فَجأة أن يَدور بسيّارته، فاتّجه نَحو أحد الشَّوارع الفَرعيّة التي لا غَرض له فيها.. وقَد عَجب مِن نَفسه، حين اتّجه بسيّارته نَحو ذَلك الشَّارع؛ مِن غير سَبب ظَاهر، لكنَّه عَثر بَعد لَحظة - مِن سيره في ذلك الشَّارع - عَلى شَخص عنده ذَلك الشّيء الذي كَان يَبحث عَنه)..!
بالتَّأكيد كُلّ منَّا حَصلت له مِثل هَذه القصّة، أو ما شَابهها، ولكنَّنا نَميل - كما يَقول د. "علي الوردي" - إلى تَحليلها بأنَّها "مُصادفة"، وهذا تَعليل مَقبول.. ولكن نَستطيع أيضاً أن نُعلِّلها بتَجاوب الأمواج النَّفسيّة بين الشَّخص والذي يُريده..!
لقد حَدث مَعي - وبالتَّأكيد مَع الكثير مِنكم - أن أضبط السَّاعة عَلى وَقت مُحدَّد لتُوقظني، ولكنِّي أُفاجأ بأنَّني استيقظتُ قَبل أن يَرن جرس السَّاعة بدقيقة أو دقيقتين..!
حَسناً.. ما تَفسير ذَلك..؟!
يَقول المُطَّلعون عَلى بَواطن عِلْم النَّفس: (إنَّ هُناك تَراسُلاً بين السَّاعة وبين عَقلي البَاطن، لذا استشعرتُ اليَقظة، مِن قِبَل عَقلي البَاطن، الذي تَلقَّاها مِن "السَّاعة" قَبل أن تَرن بصَوتها العَالي)..!
أكثر مِن ذَلك، كَثيرٌ مِنَّا يَرى أُناساً، ثُمَّ يَنقبض حين يَراهم، مِن غير سَبب، في حين يَرى آخرين ويَفرح – أيضاً - مِن غير سَبب، وقد يَحدث هذا في الأماكن "التي ليست كُلّها مُشتاقة لك"، فتَنقبض النَّفس مِن غير سَبب، ثُمَّ تَذهب لمكانٍ آخر تَنفرج مِن دون تَبرير.. ليَبقى السُّؤال: مَا تَفسير ذَلك..؟!
يَقول عُلماء هَذا الفَن، ومِن أكبرهم دكتورنا "علي الوردي": (لقد ثَبتَ علميًّا أنَّ الذرَّة تُخزِّن بَعض الأموَاج التي تَتلقَّاها مِن الخَارج، ثُمَّ تطلقها بعدئذٍ، فمِن الجَائز إذاً أن تَختزن ذرَّات الهَواء، وذرَّات الجُدران والأثاث "في مكانٍ مَا"، شيئاً مِن الأمواج المُنبعثة مِن أدمغة أصحابه، ثُمَّ تطلقها علينا عند دخولنا فيه، وبهذا فنَحنُ نَتأثَّر بها سَلباً أو إيجاباً مِن حيثُ لا نَشعر)..!
في النهاية أقول:
مَن يَدري فلعلّنا في هَذا الكُره؛ أو ذَاك الحُب، ضَحيّة مِن ضَحايا تلك الأمواج التي تغمرنا في كُلِّ وَقت، ومَع كُلّ صَوت، فتُحفّزنا إلى أعمال ذَات أبعاد مُختلفة، ثُمَّ نُبرِّر ذَلك بقَولنا: (سُبحان الله.. هَذا الآدمي لم تَرتَح له نَفسي)!!!.