الساعة الحلم

ريم نجمي 

لدي صديقة روائية، مشكلتها مع الكتابة ليست جفاف الأفكار، ولا إيجاد الوقت والمزاج المناسبين لذلك.. مشكلتها "غريبة"، فقد كان زوجها يمنعها بطريقة غير مباشرة من الكتابة، ويعتبرها مجرد مضيعة لوقت وجهد يمكن استثمارهما في عمل مفيد، كتنظيف البيت، وغسل الملابس، أو ترتيب الخزائن.. حاولت صديقتي أن تقنعه أن الكتابة مهمة، فلولا الكتابة ما وُجدت القراءة، ولولا القراءة لغرق الناس في بحار من الظلام، هذا إلى جانب أن الكتابة بالنسبة إليها مهمة لذاتها ولروحها ولتوازنها النفسي، كما أن التوفيق بينها وبين مسؤولياتها كزوجة ممكن، لكن الزوج لم يقتنع. 
لم تكن له مشكلة مع هوايات زوجته الأخرى، فلم يكن يمانع في أن تمارس الرياضة، أو أن تشاهد التلفزيون، لكن الكتابة كانت تخلق له، لسبب مجهول، "أرتكاريا في الدماغ".
بعد مناقشات زوجية طويلة أكد الزوج أنه حقاً لا يمانع في أن تكتب زوجته، لكن عليها فقط اختيار الوقت المناسب لذلك، شرط ألا يكون هذا الوقت في أيام الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت، عدا ذلك يمكنها طبعاً أن تكتب متى شاءت. وأخبرها طبعاً أن لا مانع لديه في أن تنشر كتبها، إن هي تمكنت من الكتابة.
وافقت صديقتي على ذلك، وأخبرته أنها ستكتب في الساعة الحلم، و"ما هي الساعة الحلم؟" سألها الزوج، أجابته أنها ساعة سرية يمنحها الله للزوجات الطيبات اللواتي اخترن الكتابة، ساعة تكون في الحلم فقط، بحيث تحلم خلالها الكاتبة بأفكار روايتها، وتجد ما كتبته في الحلم في أوراق عندما تستيقظ في الصباح. 
ابتسم الزوج، ووافق على ما اعتبره هذيان كاتبة مخبولة، وفي الحقيقة كانت الساعة الحلم حقيقية، ففي الوقت الذي ينام فيه الزوج تتسحب الزوجة من السرير، وتتسلل بحاسوبها إلى الحمام، وتقفل الباب على نفسها، وتستخدم سطح غسالة الملابس كمكتب، وتقلب دلواً كبيراً، وتضع عليه مجموعة من المناشف، وتستخدمه ككرسي، ثم تنطلق في الكتابة. 
هكذا ساعة أو ساعتين يومياً، تقتطعهما من أحلامها لتكتب. أحياناً تكتب فكرة مفاجئة على ورق المطبخ، وهي تعد طبق اللحم بالبطاطس، أو في مذكرة الهاتف النقال، وهي منشغلة في تلميع النوافذ.. وهكذا أصدرت كتابها الأول، والثاني، فالثالث والرابع.. وسط استغراب الزوج، الذي لم يكن مقتنعاً بفكرة "الساعة الحلم"، وفي يوم جميل، وفي ساعة من الصفاء بينهما، أخبرها أنه يعرف سرها:
"أعرف أنه ليست هناك الساعة الحلم، وأعرف الحقيقة كلها." 
ارتبكت صديقتي، وكانت ستهم بتبرير موقفها لزوجها، لكنه تابع كلامه:
"أنا زوجك، سترٌ لك، ولن أفضحك أبداً. لن أخبر أحداً أنك تسرقين الأفكار والمقاطع من تلك الروايات المتراكمة في مكتبتك، والتي أراك تقرئينها كل مساء، أنا متأكد من ذلك، فليس هناك احتمال آخر لكل تلك الكتب التي أصدرتها 
سوى السرقة!".