عندما انطلق مونديال قطر، تمنيت أمنية واحدة: أن يحقق فريق عربي إنجازاً كبيراً في هذا المونديال الذي تحتضنه للمرة الأولى أرض عربية. بمنطق الأرقام والمعطيات كان المنتخب المغربي هو الأقرب بالنسبة إلي لتحقيق هذا الإنجاز.. فريق يمتلك لاعبين جيدين، لهم مكانتهم في فرق أوروبية ومحلية كبيرة. لكن لم أسمح لنفسي بالذهاب بعيداً في أمنيتي، لأنني كبرت على خيبات كروية كثيرة تركت حاجزاً بيني وبين الحلم.
أنتمي إلى جيل لم يشهد التأهل التاريخي للفريق المغربي إلى الدور الثاني في مونديال المكسيك سنة 1986، وعندما تفتح وعيي على مونديال 1994 كانت ثلاث هزائم مغربية في انتظاري. ثم جاء مونديال فرنسا سنة 1998 حيث كان للمغرب فريق مميز قدم عرضاً جيداً وكان قريباً من التأهل للدور الثاني لولا حدوث ما يشبه "المؤامرة" بعد أن هزمت النرويج بطل العالم البرازيل في مفاجأة غير متوقعة. منذ ذلك الحين لم أعد أثق بالكرة وأفراحها.
لكن وليد الركراكي مدرب أسود الأطلس أعطانا جميعاً درساً في عدم التخلي عن أحلامنا: "خصك تحلم باش توصل" (ينبغي أن تحلم لتصل)، جملة من ذهب قالها وليد ووصلت إلى وجداني مثل ما وصلت إلى وجدان ملايين الشباب العربي، الذي أعاد إليهم منتخب المغرب الحق في الحلم. أعتقد أن تجربة المغرب الاستثنائية في المونديال تركت لدى كل واحد فينا أثراً ما، حياتنا قبل المونديال لن تكون كما بعده.
لا أبالغ إذا قلت إن الإنجاز الكروي المغربي منحني شعوراً بالثقة والقوة في أداء مهامي العملية والحياتية، ترن في أذني مقولة اللاعب سفيان امرابط وأنا أواجه توتر الثواني الأولى للضوء الأحمر للكاميرا: "علاش نخاف؟ اللي جا باسم الله" (لماذا أخاف؟ أنا قادر على المواجهة بإذن الله). وربما لم يكن سؤال اللاعب عزالدين أوناحي اعتباطيا عندما تساءل: "شكون إحنا؟" (من نحن؟) إذ ينبغي علينا أحياناً أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا لنتذكر من نحن؟ ماهي قدراتنا؟ وما الذي يمكننا أن نحققه فعلاً؟
تأتي هنا مقولة أخرى لوليد الركراكي: "ديروا النية!" وهي الإيمان التام بالقدرة على تحقيق الحلم والتشبع بفكرة "نعم، أستطيع".
نتساءل اليوم جميعاً: كيف ستكون الحياة بعد المونديال، الذي جعلنا ننام ونستيقظ سعداء؟ أستطيع أن أقول إن بعد كل هذه الدروس وجرعات الحب والفرح والمشاعر المختلطة لا يمكن للحياة إلا أن تكون أجمل.