كان الشاعر محمد العلي العرفج صاحب خشم طويل، فشاهدته إحدى النساء وعيرته بطول خشمه، فلم يعبأ بها ولا بكلامها، بل قال لها: "إن خشمي الطويل خلفه سعد وأمل وعطاء، ثم إن خشمي الطويل ليس من اختصاصك إلا إذا كنت سأخطبك من أبيك، وفي هذه الحالة من حقك أن تتدخلي في شؤون خشمي وترفضي الخطوبة، وقد خلد هذه القصة بيت الشاعر للعرفج الذي احترق الزمن وبقي بيننا منذ أكثر من (200 سنة) حيث يقول:
خشمي طويلٍ والسعد في جبيني
وإن جيت أخطبك من أهلك لا تطيعين
حسناً ماذا نستفيد من هذه القصة؟
إن الشاعر يؤكد لنا أن الإنسان ليس مضطراً لتبرير كل شيء، وليس أيضاً بحاجة إلى أن يصحح كل معلومة، ويرد على كل تهمة، وفي هذا درس لنا جميعاً بحيث نعرف متى نجادل ومتى ندافع ومتى نرد؟
وإذا كنتم لم تقتنعوا بهذه القصة، إليكم القصة الآتية:
جاء رجل إلى عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان هذا الرجل قد قتل أخا عُمر في معركة اليمامة عندما ارتد مع من ارتد، (فقد قتل زيداً بن الخطاب في حروب الردة) وأسلم الرجل بعد ذلك، وجاء إلى عُمر بن الخطاب يوماً، فقال له عُمر: أأنت الذي قتلت زيداً؟ قال: نعم، قال عُمر: اغرب عن وجهي، فإني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم!، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، أوَ يمنعني هذا حقي؟ قال: لا. فقال: أيحل هذا جَلد ظهري؟ قال: لا.. فقال الرجل: ما لي ولحبك إنما يبكي على الحب النساء".
في النهاية أقول:
إن مختصر القصتين يشير بشكل واضح إلى أن رضا الناس غاية لا تدرك، وإن الإنسان ليس مطلوباً منه أن يبرر تصرفاته أو حركاته لكل شخص أو يطلب الحب من كل الناس، لأن المهم هو إقامة العدل والإنصاف، وإذا توافر الحب فأهلاً به وسهلاً، أما إذا لم يتوافر فيكفي العدل والإنصاف، أما الاعتراضات والجدل وكثرة الخصام فتجاهلها أجمل وأكمل، وكما يقول الشاعر:
إذا الكَلْبُ لَا يُؤذِيكَ إلّا نِباحُهُ
فَدَعْهُ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ يَنْبَحُ.