أحياناً، اللسان وحدهُ لا يكذب، بل تَكذِب مبادِئنا، تخدع ثوابِتنا، نتظاهر بما لا نَملُك، فتترسَب هويتنا الحقيقية في القاع، وتطفو الأكاذيب السخيفة، فلا يرى الناس مِنا سوى أوهام خادِعة، ليس لها أساس مِن الصحة، هكذا يعيش الكثيرون في حالةٍ مِن الغِش الاجتماعي، لا يُبالي أحدهم لنتائج ما يفعلهُ، إذا بحثت في المُعجم الوجيز ستَجِدهُ قد لَقّب هؤلاء بالـ "وصوليين"، مَن يعتلون طبقات لا يستحقونَها، ومَن مِنا يطيِقُ أن يُكتَب اسمه على سجلاتِ آخرين، لقد سلكوا الطريق الخاطئ، كانوا يعتَقِدون أن الوصول إلى القمة هو الغاية، حيث يراَهُم العالم عُظماء، تُمَتِعهم رغبة الامتلاك، السيطرة، وتتملَكهم غريزة البقاء، نعم.. فالوصول إلى القمة مُتعة، فقط لِمَن يستَحِقها، لمن يملُك ما يؤهلهُ للوصول، أما من وصل بلا مؤهلٍ أو بُرهان فهو كاذِب، نموذج للخِداع بالمظهر، أسطورة مِن سراب، وبطل مِن ورق، وما يُزيد الأمر سوءاً، أن هُنالك من يُساعد تِلكَ الأكاذيب على الانتشار والوصول إلى أعيُن الناس وعقولِهِم، من دون أن تستيقظ ضمائِرهُم ولو دقائق، يا لها مِن إغراءاتٍ تتمثل في عالم الشُهرة، لتُحول موظفيها إلى قطيعٍ مِن المُمثلين، مسلسل ضخم يُنتِجهُ أبرز الوصوليين في المُجتمع، وشاهده الناس في حيرةٍ مِن أمرهِم، فانظر لهذا الطبيب كيف يُوصي المرضى بنصائِح خاطِئة، تحجُبهُ شاشات إلكترونية عن اعتراض أحَدهم، فيستمر بالكَذِب دونما عِلم، وأما عَن تِلكَ الأخصائية المعروفة، لسنواتٍ أمام الكاميرات تلعب دور خبيرة الجمال والتجميل، يُتابِعها آلاف السيدات، ولا تعلم إحداهُن أن تِلكَ الخبيرة ليس لها عِلم بالجمال، لقد كان ادعاؤها بهذا العِلم هو الوسيلة، وشُهرتِها في العالم العربي هي الغاية، لقد فازَت بالجاَئزة، والتف حولها جموع الناس يهتفون، والحقيقة أنها فازَت بجائزة أفضل مُخادِعة، مِن أجل تذوق حلاوة الشُهرة، ويا لها مِن حلاوةٍ "مُرة"، حين تكون على غير وضعها الصحيح..
إنه المسرح الكبير، يتوافَد إليه أُناس قد أدمنوا خِداعهِم، أحبوا رؤية الفاشِلين فوق قمم النجاح، تنتابهم حالة مِن الضحك أحياناً، رُبما قد أدركوا حقيقة الأمر وأصبحت المسرحية مكشوفة الكواليس، هُناك مَن لديه الاستعداد لوضع أموال ضخمة فوق الطاولة، مِن أجل الحصول على قِسط مِن متعة الشُهرة.
لايزال المُعجبون يتوافدون إليها، فوق صفحاتِها الإلكترونية، تنهال الإعجابات والتعليقات على كُل صورةٍ تُظهِر مفاتِنها، الطبيبة المُعالجة، مَلِكة عِلم الجمال، هكذا كُتِب في ملفاتِها التعريفية، ومازال الآلاف ينجذبون إليها، مخدوعين بتلك الصور المُعدلة، يطلبون النصائح، يسألونَها عن الحل والعِلاج، وهي في مملكتها تشعُر بمُتعة الحاجة إليها، الاهتمام بها، حتى وإن كانت حقيقتها كاذِبة.
وعند الخبير المكافح نجد قائمة طويلة لا لنهاية لها، والجميع يصدقه كأنه "ملاك منزل" وويل لمن يعارضه سوف تضاف إلى قائمة المغضوب عليهم من متابعيه. فاحذر أن تمشي في الشارع بعدها وحدك..
مضحك هو عالم الشهرة والطبال، أحدهم يغرد والآخر يطبل وأحدهم في الزاوية يرقص صمتاً وأخرى علناً… والقادم خفي أعظم.
فيا مَن تبحثُ دائِماً عن الشُهرة، وقد جعلتها غايتك الوحيدة، احترس مِن أصوات الطبول، حتى لا تتراقص فتقع مِن قِمَتك، فيسقُط القناع وينكشف وجهك الحقيقي!