1خلق الله تعالى الإنسانَ، وجعل في أحشائهِ قلباً صغيراً مليئاً بالمشاعرِ والأحاسيسِ التي تجعلُ قلوب النَّاسِ تتآلف، أو تتنافر، فما تشابه منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف. هذه المشاعر والأحاسيس تندرجُ تحت مسمَّى الحبِّ بأنواعهِ المختلفة، وأنبلها حبُّ الآباء لأبنائهم، وحبُّ الأبناءِ لآبائهم، فهذا الحبُّ الصافي المجرَّدُ من أي مصلحةٍ، تغذِّيه مشاعرُ رقيقةٌ نبيلة، فتبدو علاقةُ الآباء بأبنائهم، والروابط التي تقوِّيها كالنَّبتة الصغيرة، توليها بالعناية، فتُغدِقُ الثمرَ والخيرَ الكثير، كما الأبناء تمنحهم الحبَّ والحنان، فيبادلونك بالبرِّ والإحسان.
وهنا، نسلِّطُ الضوء على ضرورة توزيعِ هذا الحبِّ والحنان بين الأبناء بالعدلِ، ولو كان ذلك ظاهرياً، حتى وإن كان القلبُ يُخفي داخله حباً لأحدهم، يفوقُ حبَّ الآخرين، علماً أنَّ هذا الأمر طبيعي، فالله تعالى يجبُلُ محبة الآخرين في القلوب دون تدخُّلهم، لكن وجُبَ التنويه بعدمِ الإفصاح أمامَ الأبناءِ بتميُّز أحدهم عن إخوته، حفاظاً على مشاعرهم، وحتى لا تتسرَّب الأنانيةُ والبغضاءُ إلى قلوبهم، بالتالي يكبرون على حبِّ بعضهم بعضاً بنيِّةٍ صافيةٍ لا يشوبها أي كدرٍ.
من زاويةٍ أخرى، نلاحظُ علاقة الأبناءِ بالآباءِ، وميل كل جنسٍ نحو الجنسِ الآخر، فكثيراً ما تميلُ الفتاةُ لأبيها، والفتى لأمِّه، ويصبح الأبُ صديقَ ابنته، وبيتَ أسرارها أكثر من أمِّها، كذلك الفتى بالنسبة إلى والدته، وجمالُ تلك العلاقاتِ يكونُ بمنزلةِ ملءٍ لقلوب الآباء وغمرها بالسَّعادة الناتجة عن حبِّهم لأبنائهم، ساعين دوماً إلى تلبيةِ رغباتهم دون تردُّدٍ، جاهدين لتسخير الحياةِ ووضعها بين أيديهم، لدرجةٍ تجعل الآباء يحقِّقونَ رغبات أبنائهم دون جدالٍ، حتى وإن كانت تلك الرغباتُ غير صالحةٍ لهم، وأكبر مثالٍ على ذلك، ونراهُ بكثرةٍ في الآونة الأخيرة، شراءُ الآباءِ لأبنائهم الأجهزة اللوحيَّة المحمولة، وقضاء معظم أوقاتهم على مشاهدة الفيديوهات والبرامج غير المفيدة، على الرغمِ من التحذيرِ الشديدِ من الأطباء والتربويين من خطرِ استعمالِ تلك الأجهزة، خاصَّةً على الأطفالِ، ومع علمِ ودرايةِ الآباء بذلك، لكنهم لا يأبهون للأمرِ، نزولاً عند رغبةِ أبنائهم باقتناءِ تلك الأجهزة، وهنا لم نَعُد نميِّز بين مَن يقوم بتربية الآخر، هل الأب مَن يربِّي ابنهُ، أم إنَّ الابن يربِّي أباه على هواه، علماً أنَّ أساليب التربيةِ تختلف من عصرٍ لآخر، لكنها تصبُّ في النهاية في مصلحةِ الأبناءِ وجعلهم عناصر فاعلةٍ في المجتمع.
لذا علينا بوصفنا آباءً، أن نكون على قدرٍ كبيرٍ من المسؤولية التي وضعها الله بين أيدينا، وأن نقوم بتخريجِ جيلٍ واعٍ مثقَّف، يحملُ على عاتقهِ مسؤولية بناءِ المجتمع، ويكملُ مسيرة آبائه، وهذا لن يتحقَّق إلا بالعدالةِ بين الأبناءِ، والتربيةِ الصحيحةِ لهم، تلك التربيةُ التي تكون مبنيَّةً على أسسٍ صحيحةٍ وسليمة.