ألاحظت أن هنالك عين تترقّب! تتصيّد! تنتظر! وتتساءل لماذا؟
أَلَمْ تُخْلَقي لأمرٍ آخر؟ بل لَمْ تُخْلَقِي لمراقبةِ الآخرين بل مراقبة ذاتِك.
فنراقبُ الآخرين ويراقبنا الآخرون ونُهدِرُ أوقاتَنا بعيداً عن رغباتنا.
حزينٌ أنا.. على كُل لحظةٍ تُهدَرُ بعيداً عن أقلِّ رغباتي، ممنوع مِن حقوقي العاطفيةِ في الحياة، وكأنَّ السماءَ قررتْ مُعاقبَتي على الحُلم، كسائر البشر..
وما الضّير في أن أحلم بشيء من السعادة، الراحة، والحُب.. نعم الحب بل العشق والجنون؟
ما الضّيرُ في أن أُعلم قلبي أبجديات الحب ليعشق ليحيا ليستمر، ولما خُلقتِ القلوبُ فينا إلاَّ لتعشق!
قد قال جلالُ الدِّين الرومي:
لا تَكُنْ بلا حُبٍّ …. كي لا تشعرَ بأنّكَ مَيّتٌ، مُتْ في الحبِّ وابقَ حَياً للأبد.
نحيا بين ذكرياتٍ جميلةٍ على أملِ أن نستمرَّ مع من يشاركُنا تلك الذكريات ولكن.
حزينٌ أنا.. على كُل إنسانٍ يُشاركُني تِلكَ اللحظاتِ التَعِسة، والأفكار البائسة، حول ماهيةِ حياتِنا وجدواها، حول ذاكَ الشيء السعيد الذي ننتظرهُ لسنوات..
لكنّهُ لا يأتِي أبداً.. وإن أتى نتذمر، نشتكي، كأن قلوبنا تخشى السعادة والفرح والابتسامة.
ربّما تحجُبُ عنّا الأقدارُ كُلَّ حُلو، لتزيدَ مِن لهفتِنا في هذه الحياة.
تدفعُنا لنسعى بحثاً عن الخيطِ المفقود..
وتَحُثُّنا لنتحركَ في كُلِّ اتجاه، حتى نلتَمِسَ الطريق الصحيح..
مِنْ حُبٍّ …. مِنْ حياة
فنخطو فيه على عُجالة، نحو كُلِّ ما قضينا سنوات نبحثُ عنهُ..
لَكِن.. إلى متى أيها العالَم؟ إلى متى ينبغي علينا أن نتحملَ هذا العناء، ونُعيدَ شحنَ طاقتِنا كُلَّما نفدت؟ إلى متى سنظل نكذبُ على أنفُسِنا كِذْباتٍ مُلفقة، كيلا ندع فُرصةً لتِلكَ المشاعرِ المُضطربةِ للسيطرةِ علينا؟
الأمرُ أصعب من أن تشرحهُ كَلِمات... والحزنُ قد فاقَ حدَّ التحَمُّل، والوقتُ يَمُرّ، ويَمُرّ.. غير مُبالِ كيف نَحنُ مِنهُ.. وكيف تُطيحُ الأقدارُ بأحلامِنا الصغيرة، تنقضُّ عليها كالنسور، فتنتزعُها مِن رؤوسنا، وتتركُنا عُميان، عاجزين، تائهين في أرضِ الحياة، فاقدين ليس للبصرِ وإنما البصيرة.. وحينها، كُلٌ مِنا يتعاملُ مع واقعهِ بشكلٍ مُختلِف..
فهُناك مَن يُقررُ الهروبَ بعيداً، كيلا يُطحَنَ تفكيراً وحيرة..
وهُناك من يُقرّرُ المواجهة، فيُعيدُ ترميمَ ما هُدِم، ويعودُ إلى نقطة الصّفرِ رُغم قسوتِها..
أصبحتُ أعي أن الإنسانَ الآن ضعيفٌ أكثرَ من أيِّ وقتٍ آخر… ضعيفُ الإرادة، ضعيفُ التَحمُّل، ضعيفٌ ولكنه يدّعي القوة، لا يقدرُ حتى على حَملِ قشّةٍ صغيرةٍ من الهموم والمشاكل..
لكنْ دَعْكَ من هذا كُلِّه، فالمشكلةُ لم تنحصرْ في أنفسنا فحسب، بل ما يزيد من هول الأمور، هُم الآخرون من حولنا، فإذا كانت الأقدار قاسية حتى وإن كُنا نُحاط بالملائكة، فما بالك بقسوة بني البشر، وغِلظتهم في التعامل مع بعضهم البعض؟ حينما أدركت تلك الحقيقة، تحولت الحياة في عيني إلى بُركانٍ ثائر، أنياب تطحن كُل ما يُلقى بين فكيها، وتروس الزمان تدور مهما علت صرخاتنا، فكيف نُغاث، وكُل ما حولنا إما هالِك، وإما مُهلِك..