الغضب‭ ‬وفاصلة‭ ‬بعده

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي  
د. سعاد الشامسي

خُلق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬طين،‭ ‬طين‭ ‬غُرس‭ ‬فيه‭ ‬قلب‭ ‬تنبت‭ ‬به‭ ‬المشاعر،‭ ‬يرعى‭ ‬بعضها‭ ‬ويهمل‭ ‬بعضها،‭ ‬أؤمن‭ ‬كثيراً‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬طفل‭ ‬أمامه،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬مشاعره‭ ‬مثل‭ ‬الطفل،‭ ‬لكننا‭ ‬نميل‭ ‬بإيمان‭ ‬أكبر‭ ‬للأشياء‭ ‬التي‭ ‬نراها،‭ ‬هل‭ ‬يرى‭ ‬الإنسان‭ ‬مشاعره؟‭ ‬لا‭ ‬إنها‭ ‬مهمة‭ ‬الإحساس،‭ ‬يمر‭ ‬الإنسان‭ ‬بشتى‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬أبانا‭ ‬آدم‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬وشوق‭ ‬وامتنان‭ ‬حتى‭ ‬الغضب‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬حين‭ ‬مس‭ ‬الشجرة‭ ‬التي‭ ‬حُذر‭ ‬منها‭ ‬لكن‭ ‬الفضول‭ ‬أصابه،‭ ‬كان‭ ‬الغضب‭ ‬الإلهي‭ ‬مقرون‭ ‬برد‭ ‬فعل‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬الذنب‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اقترافه‭.‬
تعرف‭ ‬أبونا‭ ‬آدم‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المشاعر‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬نخوضها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬غمرة‭ ‬الحياة،‭ ‬نُجدف‭ ‬ببعضها‭ ‬ويسحبنا‭ ‬بعضها‭ ‬للقاع‭ ‬مثل‭ ‬شعور‭ ‬الغضب‭.‬
إننا‭ ‬جميعاً‭ ‬نمر‭ ‬بمواقف‭ ‬تزعجنا،‭ ‬تُعكر‭ ‬أمزجتنا،‭ ‬وطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهذا‭ ‬الفعل‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬فيه‭ ‬قوانين‭ ‬الفيزياء،‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬أكبر‭ ‬وأبلغ‭ ‬من‭ ‬الفعل‭ ‬نفسه،‭ ‬فيلاحقه‭ ‬الندم‭ ‬حتى‭ ‬نومه‭ ‬وينخز‭ ‬ضميره‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حين‭.‬
نحن‭ ‬البشر‭ ‬ما‭ ‬يميزنا‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬ما‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬مشاعرنا،‭ ‬والشعور‭ ‬بداخلنا‭ ‬هو‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬لما‭ ‬يمس‭ ‬قلبنا،‭ ‬الغضب‭ ‬ليس‭ ‬شعوراً‭ ‬يمس‭ ‬العقل‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يمس‭ ‬القلب،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الإنسان‭ ‬لتتغير‭ ‬حالته‭ ‬النفسية‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬حالته‭ ‬الطبيعية‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬يحكمه‭ ‬تصرف‭ ‬ما‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬شخصاً‭ ‬ما‭ ‬أصدر‭ ‬تصرفاً‭ ‬مسه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬فأثار‭ ‬الساكن‭ ‬فيه‭. ‬
الغضب‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬شعورية‭ ‬تُثير‭ ‬في‭  ‬الإنسان‭ ‬مشاعر‭ ‬غير‭ ‬معتادة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بحدث‭ ‬ما،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حالة‭ ‬دائمة‭ ‬موصوف‭ ‬بها‭ ‬الشخص‭ ‬او‭ ‬مؤقتة‭ ‬يسببها‭ ‬تصرف‭ ‬ما‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تنضب،‭ ‬وقد‭ ‬يكتم‭ ‬الإنسان‭ ‬مشاعره‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬ثم‭ ‬فجأة‭ ‬نراه‭ ‬بركان‭ ‬لا‭ ‬ينخمد‭ ‬ونتسائل‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬الإحاطة‭ ‬بالسبب‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬وهناك‭ ‬غضب‭ ‬فوري‭ ‬يسببه‭ ‬موقف‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬ينتهي‭ ‬ويندم‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬عما‭ ‬صدر‭ ‬منه‭ ‬ولكنه‭ ‬شعور‭ ‬كان‭ ‬يحتاج‭ ‬التعبير‭ ‬عنه،‭ ‬وردة‭ ‬فعل‭ ‬الغضب‭ ‬متفاوتة‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬لآخر،‭ ‬ومن‭ ‬موقف‭ ‬لآخر،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يغضب‭ ‬فيقول‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعيه،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يُكسر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أمامه،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يكتم‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬ويفرغه‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعه‭ ‬كأن‭ ‬يمتلىء‭ ‬غضباً‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬ويفرغه‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬دخل‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬الحالة‭ ‬الشعورية‭ ‬خرجت‭ ‬به،‭ ‬وهناك‭ ‬غضب‭ ‬صامت،‭ ‬وهو‭ ‬أسوء‭ ‬أنواع‭ ‬الغضب‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬يحول‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬شخص‭ ‬يكتم‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬غضبه‭ ‬حتى‭ ‬ينفجر،‭ ‬هناك‭ ‬غضب‭ ‬يكبر‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬مثلما‭ ‬نسمع‭ ‬صفة‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬عصبي،‭ ‬فيصبح‭ ‬معروفاً‭ ‬بالعصبية‭ ‬ونتجنبه‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الغضب‭.‬
الإنسان‭ ‬الملتصقة‭ ‬به‭ ‬صفة‭ ‬العصبية‭ ‬هو‭ ‬ضحية‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يُربِ‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الصبر‭ ‬والتأني،‭ ‬بل‭ ‬لكل‭ ‬موقف‭ ‬لديه‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬مباشر،‭ ‬وبمثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬قد‭ ‬يتجنبه‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬لأنها‭ ‬صفة‭ ‬مُنفرة‭ ‬ولا‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نجعلها‭ ‬مبرراً‭ ‬للمواقف‭.‬
الغضب‭ ‬له‭ ‬وجه‭ ‬آخر‭ ‬نقيض‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬الخوف،‭ ‬قد‭ ‬يتكئ‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الغضب‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬خوفهم‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬وراء‭ ‬المواقف،‭ ‬فيستبدلون‭ ‬خوفهم‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬الغضب،‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬يخاف‭ ‬الطفل‭ ‬أن‭ ‬يُترك‭ ‬وحده‭ ‬فيُعبر‭ ‬عن‭ ‬غضبه‭ ‬بالصراخ‭ ‬والتكسير،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬هو‭ ‬خائف،‭ ‬وكذلك‭ ‬نحن‭ ‬الكبار‭ ‬أطفال‭ ‬بالمشاعر‭ ‬التي‭ ‬تخصنا،‭ ‬فلذلك‭ ‬الغضب‭ ‬هو‭ ‬إحدى‭ ‬تفاعلات‭ ‬الإنسان‭ ‬الطبيعية‭.‬
من‭ ‬هنا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الغضب،‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليه‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬بالذات‭ ‬مرتبط‭ ‬بصحتك،‭ ‬فالغضب‭ ‬يجلب‭ ‬القلق،‭ ‬التوتر‭ ‬والأرق‭ ‬وهذه‭ ‬أمور‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬صحتك،‭ ‬وتستنزف‭ ‬أعصابك،‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬نفسك،‭ ‬سافر‭ ‬بمشاعرك،‭ ‬جد‭ ‬طرق‭ ‬بديلة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬غضب،‭ ‬لتستثمر‭ ‬في‭ ‬صحتك‭. ‬