في مرحلة من عمري عرفت معنى أولي للفشل، حيث رسبت أول مرة في حياتي في جميع مواد الفصل الأول من المرحلة الابتدائية صادفني خوف مرير لا أعلم مصدره، غيّر طعم الحياة في فمي، حيث كنت أعطي الحياة طعم المأكولات التي أتناولها، وأنا عائدة في الطريق نحو البيت، لمحت ألسنة تمتد هازئة بي وأصوات تقول "أيتها الفاشلة" حين خطوت داخل البيت، خبأت فشلي وخوفي جيداً، ومرت الأيام وكان الخيال الذي راودني في الشارع يسيطر عليّ ومرت الأيام هكذا، ظننت أني لو فشلت مرة سأفشل كل مرة، حتى وأنا أقدم الإجابات في اختبارات، كانت الفكرة تُسيطر عليّ "الفشل" فتركت الأمور كما هي، حتى جاء اليوم الذي حملت النتيجة لأمي وشكّل لها الأمر صدمة، فأخبرتها عما حصل معي منذ البداية، فلقنتني درساً أعيش عليه إلى اليوم، قالت لي عاتبة إني لو شكوت الفشل مرة وعالجت نقاط ضعفي بدلاً من تعميم فكرة ظهرت لتُستثمر، ووقفت عند هذه الكلمة وسألتها "كيف أستثمر في فشلي؟" قالت أن يكون محفزاً للنجاح، ألا يُكرر وإن تكرر ألا أعممه، فجلست تسأل عن أسباب فشلي وتحوله إلى حوافز ونقاط أساسية للانطلاق منها، قالت لي لو أن لديكِ مركب وخطة رحلة عظيمة في رأسكِ وأصابه ثقب، هل ستوقفين رحلتكِ أم ستحاول إصلاح ما قدر الله أن يحدث، والله ليومنا هذا كل عثرة في حياتها أسميتها فرصة، خطوة جديدة، تغيير مسار، لا فشل في حياتي منذ غيرت أمي المفهوم في خاطري.
من الذي فرز أحلامنا ونقى كوابيسنا حول الحياة؟ وإحدى هذه الكوابيس هو "الفشل".
تُعرف الأشياء بنقيضها، فالشر ليس مُطلقاً، يوجد ما يقابله وجميعنا نعرفه وهو الخير، وكذلك النجاح، كيف سنعرف طعمه إذا لم يكن هُناك نقيضاً له ليصنع له قيمة، وأنا الذي لا يمكنني أن أتحسس طعم الشيء دون تجربة نقيضه.
كل فكرة ناجحة نراها اليوم، مرت بفشل، انظر لأديسون الذي انطفأ نوره 99 مرة وأضاء في المرة المئة وقال لولا محاولاتي الـ 99 لما نجحت، لم يُسمي الأمر فشل، بل محاولة، الفشل هو إحدى طرق البحث العلمي، لولا العثرات لما وصلنا للعلم الذي نتكأ عليه اليوم.
هل خطوة الألف ميل كلها نجاح؟
هناك مقولة أؤمن بها جداً تقول "نحن مجرد رد فعل لما يحدث لنا"، الفشل هو فعل طبيعي يحصل لنا جميعاً، ولكن ما يختلف بعد ذلك هو ردة الفعل، ففي صغري كنت سأوصم نفسي بالفشل، إلا أن أمي أنقذتني قائلة إن الفشل هو دليل على أن هناك شيء ما يحتاج إلى تصويب، فلتبحث عنه وتخطو نحو النجاح، الفشل هو خطوة تالية، يجب اتخاذها لا قطع الطريق بها، هناك من يقف ويقول كفى ويستمر في قول (هذه هي حياتي) مُطلقاً، إنها تجربة للانطلاق مرة أخرى، غير فكرتك، يتغير شعورك.
لماذا يُعمم الناس فكرة سلبية عن الفشل لدرجة أنها تصبح هاجسنا الوحيد حول الحياة؟، تأكد أن تجنب الفشل لا يعني مطلقاً أنك نجحت، بل أنك شخص خائف من التجربة، لا يأخذ درساً مما مضى، الفشل قد يدلك على عيب أنت تأخذ منه منهجاً للنجاح، هو محطة فقط للتفكر والتغيير.
هل إذا فشلت الوصول لواجهتك ستجلس في وسط الطريق وتقول انتهى، أم ستستمر بالبحث؟
إياك والاستسلام، لأنك ستصبح جثة أحلام على قارعة الطريق، لا يوجد شخص فاشل، إنها الطريقة التي اخترتها فاشلة، اختر غيرها، يعرف تشرتشل النجاح على أنه القدرة على الانتقال من فشل لفشل دون أن تفقد حماستك، إذاً الفشل هو حالة مؤقتة.