في العالم العربي يتحسس الناس من المديح والمجاملة والملاطفة، بل يضعون التحفظات والاحترازات قبل الإدلاء بأي شهادة إًيجابية أو ثناءات لطيفة. خذ مثلاً؛ إذا مدح أحدهم صديقه قال: «شهادتي فيك مجروحة»، وإذا أردت أن يثني استدرك وقال: «المدح في الوجه مذمة»، وإذا أراد أن يقول كلاماً لطيفاً استدرك وقال: «ما أحب أقول الكلام الحلو وأنت قدامي»...إلخ لماذا كل هذا التحرز والتخوف من الكلمة الجميلة، لماذا صرنا نستغرب سماع المديح فإذا مدحت إنساناً بكل أدب قال: «شكلك تسلكلي»، لماذا نقول في المدح شهادتي مجروحة وإذا شتمنا الناس فجرنا في الخصومة، ولا نردد عبارة «شماتي فيك مجروحة»، إن الكلام اللين يغلب الحق البين كما تقول الأمثال. لماذا لا نتدرب على المجاملة والملاطفة التي لاتصل إلى حد المبالغة والكذب؟، لماذا لا نردد دائماً الكلام اللطيف؟ تصوروا أنني قبل أيام عزمت أحد الأصدقاء، فرد عليّ بالموافقة قائلاً: «خلاص تم، ما عندك مشكلة، وما عندي أي مانع أزورك»، فقلت له: «إذا كان هذا ردك فلا حاجة لي بزيارتك، فقال لي: لماذا؟» ، فقلت له: «لأن ردك هذا يذكرني بالشروحات التي تكتب على المعاملات الحكومية حين يطلب الموظف إجازة ويقول المدير لا مانع»، فقال لي: «فعلاً أخطأت وأعتذر لأنني تبرمجت على هذه الإجابة، فليتك يا أحمد تعلمني ماذا أقول في المرة القادمة»، قلت له: «لقد تعلمت هذا الكلام من سيدة إنجليزية سكنت عندها في لندن قبل خمس عشرة سنة»، فقالت لي: «هل تذهب معنا للحديقة»، فقلت لها: «ما عندي مشكلة»، فقالت بكل شراسة: «إذا كانت هذه إجابتك اجلس في البيت»، فقلت لها: «عفواً؛ أنا أتعلم اللغة، فما الإجابة النموذجية» فقالت: «إذا دعوناك لمناسبة، فأمامك خياران، أولاً: أن تقبل الدعوة وتقول يسعدني ويشرفني، أو أن ترفض وتقول لا أستطيع مع الشكر الجزيل على الدعوة».
في النهاية أقول:
ليتنا نتعلم اللطف والمجاملة والكلام الرقيق والعذر العميق من الشاعر ابن عبد المنان، حيث تروي عنه الكتب هذه القصة: دخل الشاعر ابن عبد المنان إلى الخليفة وهو ثمل فصبحه وهم في العشية..! فاستغرب الخليفة وقال أي وقت هذا؟ وأي معنى للصباح فيه؟ فأفاق ابن عبد المنان وارتجل: صبحته عند المساء فقال لي: ماذا الصباح وظن ذاك مزاحا فأجبته: إشراق وجهك غرني حتى توهمت المساء صباحا.