عِندما يتوقف الوقت، ويزداد قُطر الساعة فلا تلحظ سير عقارِبها، ويبقى القمرُ ثابِتاً في موضعهِ، فتعجَز الشمس عن زيارة سمائها، تتجمد قطرات المطر فتَجِف الأرض وما عليها، ويَجِف معها قلبك.. يتوقف الكون بأكملهُ عن الدوران، فتُشَل أطرافك عن الحركة، ولا يبقى داخِلكَ مِن رغبة في الانتقال إلى اللحظة التالية، لقد عَلَقت بشِباك لحظِتك، وتجمعت عليك نسورها فـلم تُبق مِنك سوى بقايا ذكرياتٍ هالِكة، تفقِد القُدرة على وصف حقيقة ما تشعُر بهِ، تهرب مِنك الكلمات وتختلط الأحرُف، وكأنك أسرت في حقول اللاوعي، وفقدت صوابَك فلا تعي من أنت، ومن أين أتيت..
كيف وصلت إلى تِلكَ المرحلة، حين تترجى عيونك باكية ألا يتركوك وحدك؟، ويُرسِل قلبك دعوات خالِصة إلى السماء بأن يعود الزمن مائة عام، رُبما تُنقِذ روح تِلك العلاقة قبل الاحتضار، رُبما تُصلِح أخطاء أدت إلى تِلكَ النتيجة الظالمة، ويتعاطف معك القَدر تِلك المرة فيَمِن عليك بِعلاقاتٍ لا تنتهي، بل تزداد صلابةً مع الوقت، لَكِن شيئاً مِن هذا لن يحدُث.. هل مازِلت تعتقد أن تِلكَ اللحظة هي مزحة سخيفة، حُلم لن يتكرر، أو رُبما كان ذَلِك مِن خداع العقل بأوهام السراب، لَكِن أرواحَهم تبدأ في الانسحاب خارِج دائِرتك، فيتحول السراب إلى واقِعٍ مُرّ.. وتستجيب حواسَكَ لقسوة هواجِسها، فتلتَحِم الذِكريات ملحمة دامية، وتُطِل مِن رأسك الخطايا، تلومك بصوتٍ هامِس، تُعيد أمام عينك مشاهِد مِن فيلمٍ قديم أنت بطله، فتُدرِك كم كُنت مُقصِراً في رعايَـتَك لِمَن أعطوك حُباً واهتماماً، وكَم مِن فُرص البقاء معهم للنهاية أضعتها، فلا تَجِد عيناك سوى الدموع رَداً مُقنِعاً..
إنه الفِراق الذي طالما تهربنا مِن مُجرَد التفكِير بهِ، ذاك الوداع المؤلِم، والحنين الصارِخ لِما مَر مِن أوقاتٍ سعيدة، فيحين موعِد اللقاء الأخير، وتَدُق الساعة دقتها فترتعِش في رئتيك الأنفاسِ خوفاً، رُبما تستيقظ مِن شراسة هذا الكابوس..
قبل أن تتعرقل بتِلكَ اللحظة في مسار حياتِك، قبل أن تُكتَب لعلاقاتِك نهايات صادِمة، حاول توطيد المسارات وتمهيدها للاستمرار، حتى لا يقتحَم اللقاء الأخير نظامك!