حيرة بين الفردانية والاجتماعية

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي  
د. سعاد الشامسي

تشعر أحياناً وأنت بين جمع تألفه، أنك الغريب، على الرغم من أن المعرفة قائمة بينكم، لكن شعوراً مريباً يُصيبك، يمرمر الروح فيك، يضربك بالحيرة البالغة، تريد أن تغادر هذا المكان، أن ترحل، أن تسلك طريقاً وحدك، أنت لست منهم ولا تريد أن تكون منهم، ولم تعد فيك الطاقة التي شحنتها في ذاتك للتحمل، وتريد الآن أن تكون وحدك أو مع أشخاص يشبهونك.. 
لكنك لم تجد حتى الآن، فصوبت سهاماً مؤلمة حول روحك، وكل يوم لا تطيق فيه الحياة الاجتماعية تطلق سهماً يؤلم الروح فيك.. 
ترحل تاركاً الجميع مع أنك معجب بهم وبقدرتهم على الاستمرارية..
تحن فجأة لسريرك والعتمة من حوله، وتريد أن تكون هناك فوراً، تُداعب الأفكار كأنها سر من أسرارك الحميمية، وحين تتبدل الظروف والأماكن وأنت وحدك على السرير برفقة الأفكار المكدسة فوقه التي لا تقوى أمك على كيها وترتيبها في عقلك، تريد أن تُغير حالك وتكون اجتماعياً تافهاً، يتملق الوجوه وينزلق بين القلوب الرطبة، أن تخلع عنك الاعتيادية وتمارس الأشياء المجنونة التي يُحبها من حولك.. كارهاً نفسك، فارضاً شخصية جديدة على نفسك لا تناسبك، تعاملها كملابس جديدة ستُعجب الناس من حولك!
كرهت أن تكون أنت بين أشخاص لا يطيقون ما أنت عليه، تريد أن تكون واحداً منهم وتتعلم منهم كيفية العيش!
يا ابن خلدون لا أريد أن أكون كائناً اجتماعياً بالضرورة، هذا المجتمع قاسٍ، أصابه تسوس الأفكار، التي تنخر رأسي، والمريب أنك حين تنظر إليهم، فإنهم يعيشون، يستمرون في استعراض التفاهات، وشراء البضائع الاستهلاكية.. 
إنني المعذب بين الفردانية في ميلي للبعد عمن يمارسون طقوساً مُغيظة لروحي، كل يوم هو الأمس، ولا يشعرون بأن هناك مشكل بأن يجتمعوا ليتصيدوا الذكريات! وبين الاجتماعية التي تجرفني لأن أكون اجتماعياً لأني تعبت من الوحدة التي تُلقي شباكها على روحي، متحيراً في دعاء الرسول "ربِ لا تكلني لنفسي طرفة عين". 
أحياناً تخرج روحي مني، تنظر من بؤبؤ عيني على الأصدقاء وهم يمارسون الحياة من دون ان يتعبوا أنفسهم بكيف سيعيشونها، بل يتبعون سياسة عيش وانقضى، هكذا هو الأمر إذاً؟ لا يمكنني العيش هكذا، تنكسر الروح داخلي، لا أحد يفهمني وطعام أمي لا يُجدي نفعاً في روحي..
حين أحاول التغيير، أتصيد مقهى في حي بعيد، وأراقب الحياة الاجتماعية للآخرين فيها، وأتدرب على السلوك الاجتماعي الذي بات مريباً مؤخراً.. 
أكتب الشعر على كوب القهوة الكرتوني، الذي ينتهي بين يدي، وأتجول في الشوارع متمنياً حياة اجتماعية حقيقية أو موتاً فردياً..