عَقد حاجبيه، وظل يُداعب لحيتهُ لِـدقائق، بينما كان ينظُر مِن النافِذة إلى ذاك النهر مُترامي الأطراف، يُفَكِر فيما إذا كان بقُدرتهِ أن يمتَلِك البلورة السحرية، تِلكَ الكُرة الزجاجية التي تُخبرهُ بما هو آتٍ، تُمليه الحاضر والمُستقبل، فيتمكن مِن السيطرة على كُل مُجريات الحياة، ويُسخّر النِظام بأكملهِ لطوعهُ، ويُفكِر.. فيما إذا كان هُناك عصا خشبية طائرة، تُمَكِنُه مِن سِباق الزَمن، واللحاق بالمُستقبل قبل أن يكون.. فيغير مِن القَدر، ويَحني أمامه كبرياء الحياة، فينصاع الكون لرغباتهِ وأهدافه..
هكذا يُفَكِر مُعظم الرجال، يتملكَهُم حُب السيطرة، غريزة البقاء، والأنانية في التَحكُم بالغير، إنهُ حُب الامتلاك الذي رسم خارطة جديدة للبشرية مُنذ بدء الخليقة وحتى الآن.. ذاك الحُب القاتل مازال يسري في دماء الكثيرين من دون دواء، نعم.. إنهُ يقتل تفكير الجماعة، يقتل النبض المُشترك بين العاشقين، يقتل حتى حُب الخير، ويُبطل الحمد على نِعمة البقاء..
وما يُزيد مِن الأمر سوءاً وخطورة، هُو حُب امتلاك الرَجُل للمرأة، امتلاك عقلها وقلبها، امتلاك إنسانيتها ووجودها.. هُنالك رِجال يعتقدون أن أهمية المرأة تَكمُن في وجود الرَجُل، ونسوا أن المرأة إنسان كامل لهُ ما للرَجُل مِن حقوق بالحياة، إنها كيان مُستقل بذاتهِ، وما كانت مُشاركَة بعضهم للحياة مع رَجُل إلا بالرغبة في التَكامُل بينهُما، فالمرأة تستطيع العيش من دون رِجال، تستطيع السير والتنفُس والعمل، المرأة تستطيع الحياة..
ولذِلَك كان لِزاماً على الرَجُل أن يُوقِف استخدام قواه الذكورية في فرض هيمنتهِ وآرائه على المرأة، وأن يؤمن بالعَدل بينَهُما، ما ينقُص أحدَهُما يُكملهُ الآخر، فالحياة شَرِكة بين الطرفين، ولن يَعتَدِل ميزان الحياة إلا بالتخلُص مِن كِبرياء الرِجال.