في إحدى زوايا مكتبي المتواضع وضعت سجادتي، ومسبحتي، وكتابه أروي حياتي للذي كتبها مرة أخرى، أشكو له تيهي الذي ينبعث لي من حياة الآخرين المستقيمة، أو التي أظن أنها مستقيمة، من ميل أكتافي، لا الحمل الثقيل، بل لأن أكتافي لا تشيل.
لم يحملني أبي على كتفه قط، ولم تُحملني فوق طاقتي أمي، حتى حنت قامتي، حين واجهت السراب، تائه كعصفور لم يُعلمه والداه الطيران خوفاً عليه من الضياع!
حين باح صديق لي أن الخطأ من كتفي الذي لم يعتَد أن يحمل العتاد، وأنني طير يحلم الطيران بأجنحة أبوية، وفي صحبة دعاني فيها لك، أحببتك وودت أن تكون صديقي، لكن شياطين الأفكار بالمرصاد لي.
أطرد كل شيء معلقاً في عقلي، وأطرق باب قلبي لأعبر لك، لأراك في الرقة، في العذوبة، في عين الصواب الذي تُشير لي أمي نحوه حين أخطىء، وأني خُلقت دائم الخطأ، حتى خُيّل لي أني لم أذق طعم الصواب يوماً.
في تشققات الزهور بين الصخور، وأرجوك أن أكون الزهرة التي تنبت في الصخرة، لا الصخرة التي قد تقتل الزهرة، تعرف ما أقوله الآن أكثر مني، قدرك يجري على لساني، وأنا أركض في الأيام التي وضعتها أمامي، حين يواجهني التيه والضباب، أدعوك فأجدك تُزيح رياح العتمة عني، وترسل نسمة ترفق في قلبي وتطمئنه بأن للفؤاد رب، والرب كريم.. والعبد لئيم، ولكنك سبحان صفاتك لا تتغير، مهما تغير عبدك، تحنو عليه..
أطمع في أن تُسيرني، أن تخيرني، لا تحيرني، أن تدلني، لا تذلني، ألا أكون من حيارى الدرب، أن أعرف وجهتي التالية، ومحطتك رحلتي وراحتي، إن وهبتني الشقاء فأرضني به وأعني عليه، فأنت كما تهب الشقاء، سبقته بالكتف والمقدرة على الحمل، ألا يكون جيب إحساني مثقوباً بالسيئات التي غفلت عنك فيها، أن أكون من الرابحين، الذين يستجمون بظلك، لا الخاسرين الذين يتناول الندم قلبهم.
أن أغلب نفسي، أن أربح المعركة التي دفعتني إليها، أن أنحني لك ويسقط ذئبي وذنبي، أن تكون صديقي وإن عادتني الشرائع، وضحكوا من عاداتي القبائل، أريد أن أعرج إليك من قلبي، فتأخذ بيدي نحوك وتمدني بصبر يحملني على نفسي، فلا تغلبني يا الله..
نحن في زمان لا المعارك تُقرع طبولها لتبدأ، ولا طبول تُنهيها، الجميع معرض لأن يدخل المعركة، ليخسرك، ليؤمن بالدنيا، ليُذل لسطوة أيامها، كلما نظرت لزمان بطل فيه العجب، زاد عجبي، لأنني كنت من الضالين عنك وقدر لي مصادفة أو قدراً لأراك في قلبي، آخر النفق المدوي بالأنين، المجروح، نور على نور، مشكاة دلت تائهاً لم يعرف الله إلا مصادفة!
لا أريد معركة لا أربحك فيها، وكل معارك اليوم من هذا الزمان الشاحب تلوي ذراع القلب لكي يعيش الإنسان فقط، يعيش حياة خاوية من الروح، روح خاوية من الإيمان، إيمان لا يسمو لسمائك، سماء لا تنظر لعبادك، عباد لا يعلمون إلى أي مستقر يسيرون، مستقر ينفر من أناس خاوية روحهم منك.
لا تُعذبني يا الله بالبعد عنك، دعني أربح نفسي وأغلبها، وأسير نحوك لأنجو من هذا الفراغ الذي يكسو أيامي..
ركعتان لأسقط الذئب والذنب عن عنقي، ركعتان لتصلك أفكاري التي لا يعلم عنها أحد سواي يا حافظ السر، يا صاحب الآبار كلها..
يا صاحبي في العتم والنور.