تُقبل علينا سُحُب الزَمان مُحملةً بالمصائر والأسباب، تُغلفنا بهالة مِن الحنين، يُنازعنا الشوق إلى كشف ما تسترهُ الأيام المقبلة، لَكِن المشهد لايزال مُعتماً، والستائر مُسدلة فوق حقيقةٍ واحدة، وبات مِن المُحال سِباق الدَهر أو اللحاق بِهِ، حقيقة واحدة تفصلنا بين الحاضر وما قد مضى، إنه "القادم"، المُستقبل المجهول، والمصير الحتمي..
حين تَحلُم، فيتناثر حُلمك في فضاءٍ زائل، وترجو، فيتلاشى رجاؤك في مُحيطٍ هائِل، وتبقى أنت والوحِدة في صِراعٍ على البقاء، فيبقى القوي ويموت الأضعف، وما الحياة إلا صِراع وكَبَد، وما القوي إلا مَن صَبِر ورضي..
حُلمً أوَحد، يُطارِدك في نومِك، يتهافت عليك كُلما لفظت أنفاسك الأولى، ويَعثر عليك أينما ذهبت، فيُشاغل قلبك، ويا لهُ مِن قلب طفلٍ يسكُن بين أطراف ضلوعك، كأن هذا الصغير يختبئ مِن لفحات القدر..
وتتساءل، لِماذا لا تسيرُ الأقدار في خطٍ مُستقيم، تسيرُ على خُطاك، لتُحقق لَك الأهداف المنشودة؟، لِمَ لا تسمعُ الأرض نداءنا، وصِراخنا، فتُهروِل إلينا ملهوفةً، حامِلة بين كفيها كُل ما تشتهيه الأنفس، كثيراً ما صرخنا بالنداء، فِلما تأخرت الإجابة، وإلى متى سنعيشُ على أملٍ مُهمَل، ورجاءٍ مُحطم، كأن الأقدار قد اتفقت على مُحاربتنا، والسيرُ عكس الاتجاه، والنيلُ مما نسعى إليه ونبتغيه، كأن السماء قد حجبت عَنا المُعجزات، فصار وجودنا يزيد الأمور سوءاً، وتتحول الأحلام إلى كوابيسٍ مؤرِقة، لا تكاد تترُكنا وشأننا، تُباغتنا ليلاً، وتُكبِلُنا نهاراً، ونحنُ في استسلام دائِم، لا نستطيع حراكاً اللهم بعض البُكاء المقيت، والخوف المُبهم..
ونعود إلى سؤاِلنا الأول، "لِمَ؟!"، هل أصبح الزمان عَدواً مقيتاً، أم شاءت الأقدار أن تُلزِمنا مساراً إجبارياً لا نرغبهُ..
إنها "حِكمة القدر"، ذاك الأب الروحي الذي يقتني أفئدتنا كصِغارهِ، يُهذبنا ويُعلمنا الصبر والتفكير، يدُق فوق رؤوسنا لنعدل عن فِعلٍ لا يروق لهُ، يُعلمنا كيف تكون الحياة أجمل إذا صَبِرنا وتركنا حبل التوكُل على الغارب، تِلكَ "الحِكمة اليَقِظة"، كم مِن حُلمٍ كدنا نيأس منه، يُدَمِرنا التفكير، كَم مِن أحدهم كان كارثة حقيقية يزرع السم السلبي في عقولنا إذا ما وصلنا إليه، لَكِن هُنالك يَد حكيمة تتدخل في الوقت الصحيح، تربِت على أكتافنا، وتُعيدنا إلى موضعنا الأول..
سنوات مِن الانتظار والاشتياق والغضب، وفي اللحظات الأخيرة تيأس وتستسلم، تدخلت عناية القدر، لتبعِد عنك الألم وتقربك مما تتمنى وتُزيل الغمامة عن الحقيقة المُطلقة، وها هو يلتقط أنفاسك وتتنهد فتسجد شكراً، هكذا تتحرك الأقدار لتُنقِذنا، هكذا تقف معنا إرادة الله وعنايتهِ، وتلتقطنا الملائكة مِن حافة النيران..
والآن.. نحتاج إلى الثقة، بأن كُل ما يحدُث لَنا هو مِن اختيار الحِكمة الإلهية، وبعناية القدر، وبرقابة صارمة، كُل مسارٍ كُنا نسيرُ فيه وقد تأخر وتغير، كُل حُلمٍ طال انتظاره في يومٍ وليل من دون مقدمات تحقق، كُل حبيبٍ لم نصل إليه إلا بعد عناء، كُل شيءٍ لهُ سببٍ مُقنع، فلنعطِ لأقدارنا المزيد مِن الثقة، ولنتوقف عن النحيب والبُكاء، لنستشعر في صدورنا حلاوة الأمان، وهدايا الإيمان.