لا تمت فارغاً 

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي  
د. سعاد الشامسي

الحياة مليئة بالاستعارات، قد تكون نصاً أنت تكتبه، فاعلم ما تكتب واحذر من أن تنتهي حياتك من دون ترك إرث تُعرف به، متبعاً أثر الجملة الشهيرة "لا تمت فارغاً"، أغنية ترقص على أنغامها حتى تصل موتك سالماً، مجرد وقت في طريقه للانتهاء، أو فخ لكثير من المعتقدات.. معانٍ كثيرة للحياة، كل منا يتفق على أن معنى الحياة يتلخص في كيفية عيشها حتى يدق جرس النهاية.. 
وسط هذه الحياة وتقاطعات الحرية التي تحدث في العالم المدوي أنينه، هل طمحت لتنال حرية مطلقة؟ والتي تتلخص في أن تنعم بفعل الأشياء وتراكم الأحداث من حولك بلا أية إسقاطات اجتماعية أو حدود رادعة، هل أردت أن يتحول دورك في الحياة من شخص جرب استعمال العقل ولم يجد نفعاً معها، إلى شخص ينعم بالجنون؟ 
هل الجنون نعيم؟ من وجهه نظري لمن جرب الحياة وبسط جديته في التعامل معها، وعرف أن البداية تقود إلى نهاية محتومة، ويصرخ كل فترة: "ما فائدة كل هذا يا الله؟" نعم، لأنني كنت من الذين يُصارعون لفهم الحياة.. 
هناك حرية مقيدة جميعنا نمتلكها، تلك التي توقفنا عند حدنا من دون أي تمادٍ، تلك التي نتباهى بها أمام من يفتقدونها، فنصبح وحوشاً بشرية، تتغذى على نقص بعضها، لا السلسلة تكتمل، ولا تنتهي عند حد معين..
والحرية المُطلقة تلك التي تمسح الحدود عن قافية العالم، وتُخدر فيك المشاعر البشرية المجبولة على الفطرة، فلا يعتب عليك أحد إذا وصلت إليها، ولكنك قد تدفع ثمن الحدود إن لم تقدر وجودها في هذه الحياة.. 
الحرية المطلقة التي وصلتها هي حين رفضت ثوب المستقبل، وتأملت خزانة ذكرياتي، أنفث السيجار وأطفئه في منفضة المستقبل الذين يقولون إنه ساحر وتغيرت به عادات الحياة، أنا الآن في مستشفى للأمراض العقلية أعاني من حرية مطلقة، كما شخصني المجتمع، لا أفعل شيئاً سوى إدراك خراب روحي، أمارس الضياع بمهارة، أستمر في النظر إلى الخلف، لحياتي الماضية التي تصر على البقاء واستذلال الذاكرة، وجرها كمعذب أمام ساحة مليئة بالشامتين والمشجعين..
عذبتني الحياة، حتى اخترت الجنون الذي يمنحني حرية مُطلقة، ولكني مللت وفقدت توازني الطبيعي الذي اعتدت عليه في هذا الكون الشاسع، ووافقت قول صديقي (سورس) بطل رواية (الرسام تحت المجلى)، للكاتب البرتغالي أفونسو كروش، في قوله: "أكبر عدو للإنسان هو الحرية". وبقيت مستمراً في بحث دائم عن أشياء مجهولة المعنى.. 
بت مجنوناً حقيقياً حين سألوني عن عمري؛ فأخبرتهم بأني جنين الحياة الذي لم يولد بعد.. 
وكان جواباً حقيقياً، لأني نسيت عدّ عمري وأنا أعيش أشياء لا تشبهني..