الحياة العادية؟
أحب أن الله يمنحني كل يوم يوماً إضافياً يدعوني فيه إليه، أن أستيقظ في سريري وأنا في راحة من أمري، لا موت يفجعني، ولا حزن يتغذى عليّ، العائلة في وجهي، وأحبة من حولي، وخير كثير وشر قليل عابر لا يُمكن أن نوقف عمرنا عنده..
أحب الابتلاءات الصغيرة التي يرسلها الله لي على شكل اختبارات قصيرة، يدعوني فيها إلى حصة تأمل في نعم لا تحصى ولا تعدُّ، في نعم صغيرة في وجودها، كبيرة في حضورها الحقيقي حين نتخيل صور الحرمان فيها، أذكر أني ذات مرة وقفت مندهشاً متلقياً أجمل رد في حياتي على سؤال: كيف حالك؟ من زميل لي سوداني الأصل، وأجابني بسرعة بدهية وابتسامة واسعة تشّع عن روح تلقائية تُقدر وجود الله في حياتها بشكل حقيقي، في زحام من النعم.
هذا الموقف العالق في ذاكرتي سيكون جواباً عن سؤال: ما هو أكثر موقف لا تنساه في حياتك؟ لأني يومها ظللت أردد الجملة في ذاكرتي حتى لا أنساها أو تخونني فرحة التعبير كما العادة، أصبحت الجملة الرقيقة المعبّرة جوابي الدائم مهما كان حالي، ففي الحزن لا يتركنا الله، وفي الفرح يفرح لفرحنا وأشعر بأنه يندهش من أن صغائر الأمور تُفرحنا.. فنحن بني الإنسان نُثير العجب حقاً!
أدركت أنه طالما أن الفرج في جُعبتنا، فكل شيء بخير، فمهما شدت الحبال وثاقها حول روحنا، فسوف ندرك أن فينا من الروح ما يكفي لنعيش ما كُتب في الأقدار، فلمَ القلق في قلب الديار التي يملكها الله!
مهما ضاقت ستفرج، كبرت على هذه الأقوال وآمنت بها، فمهما طغى الحزن نفضته عن كتفيّ وذكرت الله وذكرتني بلوتي بنعمتي، فشعرت بها وأشهدت روحي الغافلة عنها، مثل أني كل يوم أقطع الطريق السريع ذهاباً وإياباً، ولولا الله كُنت بُليت وفقدت روحي نفسي وتاهت أمي من الحزن عليّ، أو أقل الضرر كنت فقدت قدميّ بحادث السير وابيضت عينا أبي حسرة علي!
صحيح أن الحياة سريعة ومتكررة، لكنها وحدها نعمة لنجرب ونقيس الحد الفاصل بين حمد متكرر باللسان وحمد نابع من القلب..
حين أقابل أصدقائي في المقاهي الخاوية من روح الإنسان القديم، من أصل آدم ونسل الرسول، يشكو الأصدقاء من عادية الحياة، أستفسر عن مدى استعدادهم للتغيير؟ ويدهشونني بأنهم يطمحون لحياة أخرى، إن الحياة العادية أكثر اطمئناناً من أن تحياتها صاخباً وأنت خاوي الروح وفي تيه مقصود..
لماذا تُخيفنا الحياة العادية؟
لقد طرحت السؤال كدعوة تأملية لحياة مليئة بالإرهاق والركض اللامتناهي نحو هدف متناهي الصغر في وجه الحياة، في حين أن علينا أن نحمد الله على الحياة العادية التي توصلنا لموتنا سالمين من غضب الله وخطط الشيطان للإيقاع بنا..