في محاجرنا دموع متوارثة منذ القدم، وعي جمعي متحجر في أدمغتنا، يرون الإنسان جسداً واحداً ولكن الأفكار تلفظه على شواطئ روحه تاركة خلفها جثث مليئة بالأحلام والآمال.
يحسبونك مجنوناً حين تخبرهم بفكرة أن هناك أشخاص يمرون في ذاكرتك، يهمسون لك بفكرة طارئة، فيشتعل القلب وتتدفق المشاعر للركض خلفها، ثم تعود وتبدأ من جديد مسرحية حلم لا أحد يُصفق لها.
حياة الإنسان لا تسير على خط واحد مستقيم، بل بها من التعرجات ما يشير إلى وضع قلبه بين اللحظة والتالية، لكنه ثابت في موضعه أمام الآخر، هذا لا يعني استقراره داخلياً، ففي العقل حجرة تشعل في الروح ناراً حتى تلتهب، إنه الصراع الذي يصل إليه الإنسان غالباً في العمر الذي يُنهي فيه تعليمه الجامعي، حين يُصبح عليه أن يختار ما يُلهيه عن حقيقة الحياة التي كان تلوح له من بعيد، وعليه أن يواجه هذه المعركة وحدة.
ويمضي وقت الراحة وتحقيق الأحلام الموعودة، مثل مشاهدة الكثير من الأفلام وقراءة الكتب المؤجلة، ولكن هذه الأوقات تمضي سريعاً، فيجيء الصراع خانقاً ويطرح عليك سؤال "ما الذي تفعله في حياتك؟".
نعم، الصراع مرحلة، حتى أنه مراحل متعددة في عمر الإنسان، ألم تتصارع أفكارنا حول أي مجال سوف نتخصص؟ حول أي فكرة سيكون مشروع التخرج؟ حول الصواب والخطأ في المواضيع العابرة! لكنه يجيء بحرب موسعة حين تقرر أنت بنفسك أن تخوض هذه المعركة بينك وبينك، معركة الأنا التي ستنتهي حتماً ولكن الفوز والخسارة سيكونان من نصيبك وحدك، لأن الساحة متروكة لك، فاشدد من أزرك واعلم أنها مرحلة يجب أن تُخاض وأن تخرج بنتيجة تُرضيك ولا تُغنيك.
حين تقرر أن تخوض مرحلة الصراع مع نفسك لتبحث عن ذاتك فأنت في مرحلة الوعي الفردي، تسحب نفسك وتنقذها من مرحلة الوعي الجمعي التي تُحيط بكل من هو حولك، وهذه خطوة تحتاج لأن تُعد مسرحك وتصارح ذاتك بكل فكرة عبرت داخلك وأنت غير مقتنع بها، جالس فكرتك واطرح على نفسك تساؤل ما هي حقيقة مشاعرك وأجب بنفسك، ارفض وتقبل، المهم أن تحاور نفسك لتجد ذاتك الحقيقية التي تاهت عنك، ستدخل صراعات كثيرة آخرها سيوصلك لنفسك، ليُغلق عليكم باب المعركة وتأخذك الفكرة من ياقة روحك لتهزم عدم الرضا والتقبل فيك، واجه نفسك، لا تهرب، إذا كنت ترفض المكان الذي وجد نفسك به، غادره، لا تأتي على نفسك من أجل أوقات تُقنع عقلك بها أنها ستنتهي! إن هذه الأوقات هي رصيدك من العمر، هل تسمح لغيرك بأن يستنزفها؟
هل تريد إنهاء هذا الصراع بين أنك تريد ولا تريد الأشياء من حولك؟ واجه نفسك، لن تخسر ذاتك، بالعكس سوف تكتشف أن هذه الذات مُعبأة من الخارج، أنت بحاجة إلى ذات داخلية، بالمختصر هزيمة الذات النكرة في داخلك هي فوزك بالمعركة.
ما الذي يمنعنا من اكتشاف ذواتنا؟ الخوف من المواجهة، أن تُقابل داخلك شخص جديد خبأته عن المجتمع، خوف من تقديمه للمجتمع على أنك هو، خوف من رفض المجتمع لذاتك، في الحقيقة إنها رحلة مؤلمة ولكن عليك خوضها كي لا يفوتك العمر وأنت لا تعرف نفسك.
ستخرج من هذه المرحلة ممتناً، وأتذكر قراءتي لكتاب –أيام من حياتي- للكاتب هيرمان هسه وهو يقول قولاً رائعاً وجب ذكره هنا:
"هناك كثيرون في مثل حالتي، فأنا لست وحدي، فخطوات ملايين الناس معركة، تأكيد للذات يأخذ شكل الحرب: الأنا ضد العالم."
أركض نحو مستقبلي وفي نيتي نيل النجوم
كلنا عطشى ولا ماء يكفينا