إن صورة وجهك الحقيقي وطبيعتك الأصلية لا تظهر بعدما تستيقظ مِن نومَك مُبكراً أو بعد تناولك الوجبة المًفضلة، بل هو ما يظهر عِند الشدائِد، عِند مرورك بعقباتٍ صعبة، فتَبرُز صورة ما بداخِلك من إنسان، ويتوقف الدور السينمائي الذي اعتدت تقديمهُ أمام الناس، وأنت تعرف عن كثب أنها ليست حقيقتك..
في زمَنٍ انطفأت فيهِ آخر شموع المشاعر الصادقة، وصارَت الرغبة في إشباع الغرائز الإنسانية هي الكيان المُسيطر على سلوك البشر، تُحرِكَهُم في سبيل بناء بُرجٍ ضخم مِن السعادة الشخصية، مُتجاهلين بذَلِك أحقية الغير في الشعور بوجودهِ ووِجدانهِ إنها الرغبة حين تغرِز أنيابَها في طبيعة فطرتنا البريئة، فتُلوِثها، تُفَتِتها، وتُلحِقها بمن سبقوها، من ماتت مشاعرهم وأفئِدَتَهُم فصاروا جماداً تُحرِكهُم الرغبة، يُغطي وجوههم ظِل مِن ظلامٍ حالِك، يعكس ما بداخِلَهُم من جفاف الإحساس، وخلاء المشاعِر، وهلاك الضمير..
هكذا هي الرغبة، حين يكون معيار أعيُن المرأة للرَجُل بما يملُك مِن مال وأعمال، فتتغير صور الرِجال في عيون بعضهُن إلى خزائِن مِن المًمتلكات، تتحرك على الأرض، صناديق مِن المال تذهب هُنا وهُناك، ويتلاشى الإيمان بوِجدان الرَجُل وإنسانيته.
وها هُم الرِجال تُسكِرَهُم نفحات الرغبة، وتتلاعب بِهِم النزعات الذكورية الكاذِبة، فتُصاب عقولِهِم بنوع خاص مِن هيستيريا الحُب الأجش، إنه عِشق الجَسَد، فيقتلون الأرض بحثاً عما يُشبِع رغباتِهِم المكبوتة في رؤية الجمال الأنثوي، مُتناسين ما للأُنثى مِن جمال روحي خلاب، يتوارى مِن الخجل بين الضلوع، يظَل سنواتٍ مِن العُمر في انتظار مُستكشفٍ عاقل، ينتظر رَجُلاً يُحكِم التفكير بعقلهِ وقلبهِ معاً، ويُمسك بزِمام رغباتهِ فلا ينصاع معها نحو طريق النزوات الوقتية، عديمة الفائدة..
هل صِرنا حقاً في زَمنٍ قُتِل فيه الوجود الإنساني قتلاً، وهيمنت على الأرض مشاعر طاغية مِن حُب المال والنظرات المادية لأمور الحياة؟، هل انتهى زمن الرِجال والنساء مِمَن في قلوبِهِم شيءٌ مِن الحُب، مِن الرغبة في الشعور بالآخر، مِن السعي لإسعاد الآخر، بدلاً مِن بناء قصور السعادة على رُفات مِن تعاسة الآخرين؟.. هل انقطع حبل النجاة مِن الغرق في بِحار الأنانية الضَحِلة، وتوقفت البوصلة عن الإشارة إلى المسار الصحيح لاستهلاك مشاعِرنا، بدلاً مِن إهلاكِها؟.. نحتاج حقاً إلى كَلِماتٍ حكيمة تُرجِعنا لرُشدنا، وتعود بِنا إلى الكيان الإنساني الذي وُلِدنا فيهِ، حين كانت طبيعتنا نقية، ومشاعِرنا بريئة، ولا نَعرِف في قاموس الحياة مفهوماً للمال، ولا مقياساً للجمال، فـالروح أحياناً تنطِق بما لا تبوح به المظاهر، والحُب الصادِق بين اثنين من البشر لا يُقدر بثمن..!.