من المفاهيم التي تم تشويهها أو بالأصح استغلالها مفهوم "الميانة"، وفي هذا المقال سأشرح فكرة الميانة الذي تم استغلالها.
وقبل الحديث عن الاستغلال لابد من تعريف "الميانة"؛ لأن القراء العرب قد يجدون إشكالية في فهم هذا المصلح، لذلك أقول: "الميانة هي التباسط ورفع التكاليف والرسميات بين الأحباب".
والآن دعونا نعود للسؤال، كيف تم تشويه هذا المفهوم واستغلاله؟
وقد شرحت هذا في ناصية أقول فيها: "لست على وفاق مع مفهوم" الميانة" لأن الصديق إذا أصبح يمون عليك، بدأ يسقط الاهتمام ويقلل التقدير ويحتمي بفضيلة الميانة، نعم.. إذا أصبح يمون عليك، فهو يعزم الناس ولا يعزمك، وإذا عاتبته قال: أنت صاحب محل، وإذا تسلف منك لا يعيد السلفة، وإذا سألته قال: الجيب واحد، أما إذا صنعت له معروفاً فلن يشكرك، وإذا قلت له أين كلمة شكراً؟، قال: ما بيننا شكر، وحين تهديه الهدايا وتسأله: أين رد الهدايا..!، قال: ما بين الطيبين حساب، وفي عالم تويتر يعمل لكل الناس "ريتويت" ويعجب بتغريداتهم، أما أنت فيقول لك ما بيننا مجاملات.
كذلك الزوجة التي لا تقول لزوجها "أحبك"، وإذا سألها عن الحب قالت: "أنت تعرف ما في قلبي"، بالله عليكم كيف أعرفه؟
يقول إيليا أبو ماضي:
ما قيمَةَ الإِنسانِ مُعتقِداً
إِن لَم يَقُل لِلناسِ ما اِعتَقَدا"
يا قوم، إن "الميانة" كما تمارس الآن في المجتمع هي ضرب من الفوضى، لأن من يمون عليك يتصل بك متى أراد، ويدخل بيتك من دون استئذان، ويتسلف منك ويقول: الجيب واحد، وإذا رأى لك مقالاً أو كتاباً لا يعلق، وإذا سألته قال: أنت لا تحتاج أحد مثلي لكي يعلق عليك، مع أنه عندما يتعامل مع الآخرين الغرباء الذين لا يمون عليهم، يشكرهم على المعروف، ويرد لهم ما استلفه منهم، أما في المناسبات فهو أول من بارك لهم وأهداهم الهدايا.
حسناً ماذا بقي:
بقي القول: نعم.. العرب تقول: "من الألفة رفع الكلفة" ولكن رفع الكلفة يجب أن يكون لمن يعرفون قيمة الألفة والصداقة، أولئك الذين مهما كانت "الميانة" بينهم، يحفظون كل حقوقك، ويتركون مسافة بينك وبينهم، تحميهم وتحميك من الاستغلال والإيذاء.
مع أصدقائي أتمنى أكون من الغرباء، لأن الناس يحترمون الغريب ويتصرفون أمامه بكل رقي وأدب، ومن العجيب أن الأستاذ "لس جبلين" في كتابة كيف تتمتع بالثقة والقوة في التعامل مع الناس يقول ساخراً من مستغلي الميانة: "لماذا نحترم الغرباء أكثر من احترامنا لأصدقائنا وأسرنا؟"
وأقول أنا: "الميانة مفهوم مائل وظالم، لذلك أرجوكم لا أحد يمون عليّ".