لقد كانت تشعُر بالحُرية كطيرٍ يعتلي قِمم الجبال وقت الشروق، تلمع عيناها فتفيض بما في جوفها مِن ذكرياتٍ وأسرار.. تَكتُب بقلمٍ مِن البُندُق ما تُفَكِر بهِ، وتسكُب الألوان على لوحةٍ بيضاء فـتبعث بها الحياة لتُصبِح حقيقة، تتراقص معها على نغماتٍ شرقية، ويعلو صوتها بحرية في أركان المدينة الصماء!
هكذا تستطيع المرأة أن تَشُق طريقاً لها وسط غيوم الليل، وتُسمِع العالم صوتها، حين يغدو رعد السماء هو المُهيمن على الآذان، وتُلهِب وجهها بحُمرة الخَجل حين تبتسِم، كنبتة زهرةٍ وُلِدَت في قلب بُركانٍ مُشتعل، لا يُعيقها عن الحياة عائق، ولا تَعرِف طريقاً للمُستحيل، بل هي من تصنع المُستحيل ذاتهُ، فتُغرِق من حولها مِن أُناسٍ، يتأرجحون على كفوف الدنيا، بين همٍ لا ينتهي، وشقاءً يُطارِدَهُم كُل يوم.
تِلكَ هي بائعة السعادة الحقيقية، ليست مَن سَمِعتَ عنها في الأساطير وقصص مكتبتك القديمة، بل هي مَن ينبعث من عينيها فيضاناً مِن الحماسة، و يسري في أوردتها عِشق الحياة، إن تِلكَ المرأة هي ما يدفع عجلة الحياة للعمر القادِم، هي من تُلهِم الآُخريات أن يُكمِلن مسيرَتِهِن في الدُنيا مهما وجدن مِنها عِناداً و كبرياء، تُجَدد بِهِن الأمل، وتبعث فيهن الراحة والرغبة، للحفاظ على ما تبقى لهُن مِن نبضٍ يتأوهَ.
لقد دمعت عيناها أكثر مِما أنجبت آبار الأرض دموعاً، وصفعها القدر بأسواطٍ مِن حديد حتى انهارت أمالها، وأُغلِقت منافِذ الهروب فلم يَعُد لمُناجاتِها جدوى.
إنه الماضي.. تِلكَ النُقطة السوداء التي أصابت كُل إنسان على وجه البرية، لَكِن هُنالك من تحملت تِلكَ الآلام، وقررت الاستمرار في طلب نصيبها مِن الحياة، أيقنت أنها وردة لا تذبل وإن ذبلت قليلاً سقت غصنها بالصبر والدعاء والتفاؤل، حتى أصبح الشغف رفيقها والإصرار سندها والاستمرار مبدأ لها حتى أشتدت شوكتها، وباتت أقوى مِن أن يؤلمها جَلد الأسواط، وصارَت تتحدث بالبسمات والكلمات الإيجابية فزرعت الأمل لكل امرأة خانتها نفسها وأضعفها قلبها وتوترت عزيمة عقلها، فتوزِع الأمل والسعادة على من حولها مِن سُكان المدينة، وتُظهِر أمامِهم سعادَتِها وخِفة ظِلها هي امرأة مثقفة، أنيقة، قدوة، أيقونة، أطلقوا عليها "بائعة السعادة".
فكم امرأة في العالم أجمع "بائعة السعادة"، وكم امرأة سوف تكون مستقبلاً..... متفائلة بالآتي جداً.