حينما تتلاشى ركائز شخصياتِنا الإنسانية، وتتخلخل الملامح التي طالما آمنا بثباتِها، حينها تترنح مزايا وجودنا في الحياة، وتتحول كُل ميزة بالإنسان إلى عيبٍ غير مقبول، وذنبٍ لا يُغفر، نعيشُ حياة تجتاحها الفوضى وعشوائية المبادئ، نتخلى عن أزهى ما مُيزنا بهِ، وهي مبادِئنا وملامح الشخصية الواضحة، نَكذِب أحياناً، رُبما لنتجمل.. أو لنُخفي حقائق قد تُعكِر صفو الآخرين، نتبدل بين ثياب هذا وذاكَ، نلعب أدواراً ليست مِلكاً لنا، ونرسم على وجوهنا بسماتٍ مِن ورق، في زمانٍ غير هذا الزمان، كان الإنسان واضحاً معروفاً، وكُل شخص يملُك ملامِح يعرفهُ الآخرون منها، لا تتبدل أو تتغير مع مرور الزمن، مهما كانت الظروف والأسباب، وأياً كان من نلتقيهِم في حياتِنا، فالمبادئ تبقى واحدة، والوجوه ثابتة أمام مُغريات ودوافع التمثيل، أما الآن فقد صِرنا في معرضٍ للاستعراض التمثيلي، أو رُبما أدركتنا حاسة الفَن فصِرنا نتلاعب بالأدوار، فهذا نلقاه بشخصية الرائد الناضج، وقد نلقاه بشخصية هزلية ساخرة، وبين هذا وذاك ليس علينا رِقابة أو مُراجعة لأفعالنا، يظل الكثير مِنا يستمتع بتلونهُ أمام الآخرين، بل يستمتع بخداع نفسه إذا صح التعبير، فهُناك الكثير من البشر يعيشون بوجوه كثيرة، وجه مألوف للناس مِن حوله ووجوه خفية، رُبما يحميه هذا التبدُل مِن تصِيُد الآخرين لأخطائه، رُبما يرغب بأن يُرضي الجميع، فيدفعه ذَلِك إلى الإصرار على التبدُل دائماً مِن شخصيةٍ لأُخرى، لَكِن شيئاً مِن هذا قد يُنتج لنا صورة لا نتمناها لإنسانيتنا، إنها الصورة الهُلامية الضعيفة التي إن دلت فإنها تَدُل على عدم صدق الإنسان مع نفسه ومع الآخرين، بل أن هُناك مَن يعتاد تِلكَ التغيرُات فيأتي عليه وقت لا يُدرك فيهِ أين حقيقته، حين ينظُر إلى مرآةٍ قد هشمها كَذِبهُ ونِفاقهُ، نعم.. إنه نفاق النفس والضمير، وخيانة الصدق مع الذات، فنتحول مع الوقت إلى عرائس الماريونت، تُحركِنا المواقف والأحداث والشخصيات من دون أن يكون لنا شخصية مُستقلة، ويأتي السؤال الأصعب، إلى متى سنعيش دون هويةٍ حقيقية، متى شعرنا حقاً بوجودنا الإنساني حين نَكذِب في طِباعنا أمام الآخرين، وما وجه الاستمتاع في ذَلِك حين تُبدل وجهك بوجهِ غريب، لتُرضي بهِ طرفاً آخر، أو رُبما لتخدعه، لتكسب ثقتهِ على حِساب النفس والإحساس بالذات، لقد انتهت تِلك الفوضى وآن الوقت لتعود طبائعنا الحقيقية إلى مجراها الأول، ليعكُف كُلً مِنا بمُفردهِ دقائق، ويُفَكِر من أكون حقاً؟! ما هي هويتي الحقيقية التي وُلِدت عليها، أين الحقيقي وأين الزائف مِن تلك الوجوه العَكِرة، وإلى متى سأستمر في لِعب دور الساخر مِن نفسهِ ومِن طبيعتهِ حين أُبدل نفسي بأنفاسِ لا تروقني، هكذا يجب أن نُحاسب أنفُسنا على تِلكَ الظاهرة المُتفشية بيننا في الآونة الأخيرة، حتى نُنقِذ ما تبقى مِن بقايا آدميتنا السوية..!