نفسك المثالية 

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي  
د. سعاد الشامسي

انظر إلى المرآه ماذا تشاهد؟ هل تشاهد وجهك أم تكتشف ذاتك؟
 أتعلم.. إن أصعب الأمور اكتشافاً هي اكتشاف المرء لنفسه، لأنه يصبح إما أكثر اتزانا وإما أكثر جنوناً. ولكنه أغلب الأحيان يخطئ في التقييم فيناقض ما يؤمن به بما يعيشه أمام الملأ. فيطلق البعض عليه أحكاماً بسبب موقف وربما كلمة. فيدخل في حالة هي أقرب لصراع داخلي بين قلبه الحزين وعقله المتمرد وخصام يصيب النفس من الحياة، لأنه يشعر بأن شيئاً ما يعكر صفو اللحظات النقية تفسد فيها ملامح طريقه، فيكتشف: لابد أن يكون متناقضاً ليقيم حفلاً يمنح فيها "جائزة المتناقض المثالي"، فيتناسى مع الوقت تناقض سلوكه حيث يقف أحياناً في منتصف الطريق ليعيد ترتيب حساباته ويسأل نفسه: لماذا أنا ذي وجهين؟ وجه خلف القناع، ووجه أمام العلن؟ 
أدعي الصدق في موقف وأعلم في قرارة نفسي أنه الكذب بعينه، أدعي الإنسانية، ولكنني أرتكب من الجرائم يومياً ما تمحي صورتي المثالية عن الكون لو علموا! أبتسم كثيراً لأخفي وجهي القبيح وأقتلع عن ناظري أهدافي الشريرة.

تصرفات عديدة ومواقف كثيرة، وما ذكر في الأعلى واحد من العديد خلف الأبواب يوجدون، وخلف الشاشات يقهقهون، وعلناً يدعون المثالية.
تمنيت أن أقلع جذور الأقنعة لكل نفس تجيبني عن أن ثقافتنا تجبرنا أن نكون أصحاب الأقنعة، لا أحد يعلم حقيقتك، أكثر التمثيل، أكثر المجاملات، ولا تنسى البهارات من أجل مصلحتك، حكاية تناقض يعيشها العديد وتشهد عليها المرآة في كل مكان حينما تنظر لوجهك فهي الوحيدة التي تعلم حقيقتك، تستمتع لما يدور في داخلك حينما تطل الأفكار من الواحد إلى الألف، وابتسامتك العريضة عند التخطيط، ولكن يظل السؤال لماذا تكون متناقضاً؟ هل هي رسالة كونية؟ أم حكمة لا نعلم بها كقصة الأب الذي ضرب ابنه لأنه علم بتدخينه وحرمه من المصروف ولكن المضحك "الأب مدخن"، وكقصة المرأة التي تدعي أمام الجميع نهاراً وليلاً أن المرأة تستطيع اليوم العيش من دون سند، من دون رجل، فلا حاجة لوجوده في عالمها، ولكنها الأقرب سؤالاً ووجوداً في ملف الخطابات ومواقع التواصل بحثاً عنه. وكقصة العديد ممن يدعون غير ما يؤمنون، ويعيشون قصصاً تناقض سلوكياتهم وأحلامهم، منهم من يتعبه ذلك التناقض، ومنهم من يضحك عليه، ومنهم من يخسر، ومنهم من يتجاهل. أحياناً في تفاصيل الحياة البسيطة وأخرى في القيم والمبادئ، ومقدار على معيار، وبين الرفض والقبول واحدهم في الزاوية يفعل ما يفعل كأنه مرغم، ويبقى السؤال أمام المرآة: من أنا؟ 
هل جربت شعور الجلوس في الأفعوانية الدوارة في الملاهي؟ شعور الارتفاع والنزول والاتجاه في مختلف الاتجاهات، تصرخ وتبتسم وتخاف كأنك في صراع شعوري بين القلب والذات حتى تنتهي وتستقر وتكرر اللعبة وقد لا تكررها! صحيح؟!! 
جرب أن تلقي نفسك المتناقضة في الأفعوانية، وانتظرها في الأسفل ستجدها تعود لك كما خلقها الخالق بلا تناقض وكما تتمنى فقط، أوقف واصدق الوقوف وتذكر مرآتك الوحيدة الصادقة معك.