الحَنَان سَائل عَاطفي، ودِفء مَعنوي، يَتسلَّل كَأنَّه تيّار كَهربائي؛ مِن مُصدِر الحَنَان إلَى مُستقبِله، وكُلَّما زَاد حَنَان الطَّرف الأوّل؛ عَلى الطَّرف الثَّاني، زَادت المَحبّة، وتَعمّقت الرَّوابِط، واشتَد عود الصِّلة..!
والحَنَان طَاقَة إيجَابيّة فَعَّالة، تَنبع مِن الأُم لأولَادها، ومِن الأَب لأولَاده، ومِن الزّوجة لزَوجها، ومِن الزّوج لزَوجته..!
وفي السَّابِق كَان الحَنَان كَثيفاً؛ لدَرجة الوَفرَة والتَّصدير، كحنَان الأُم، وحنَان الأَب، وحنَان الزّوجة، وحنَان الزّوج، وفي هَذا السيَاق - أعني سيَاق وَفرة الحنَان وكَثرته - تَأتي أغنية محمد عبده "شوفي يا عيني الحنَان"، للشَّاعر محمد العبدالله الفيصل، رَحمه الله، حَيثُ يَقول في مَطلعها:
شُوفِي يَا عِيني الحَنَان
اللِّي عُمري مَا عرفته
صَار لِي مِستني زَمَان
كَان أمَل غَالي ونُلته
أَهدى لقَلبي المُنَى
بَدّل عَذَابي بِهَنَا
كَان الحَنَان - في تِلك الأيّام - خَصباً ممرعاً، عَاجلاً غَير آجَل، سيّالاً غَير مَحبوس، يَصل لكُلِّ مُستحقيه، أمَّا الآن، فإنَّ الأمر تَغيَّر، لَيس في كُلّ وجُوهه، بَل في وَجه وَاحد فَقط..!
إنَّ حَنَان الأُم والأَب لأولَادهما؛ مَازَال مُتمَاسِكاً، وأظنَّه يَظهر في عبَارات هَذا الطّفل، ولَثغَات تِلك الطّفلة، أمَّا حَنَان الزّوج للزّوجة، فأعتَقد أنَّ النَّقص اعترَاه، وشَابَته حَالَة مِن الاحتبَاس، لذَلك صَار قَليلاً نَحيلاً ضَئيلاً، وكَأنَّه ريشة قَلمي التي أكتُب بِهَا.. (للعِلْم، مَازلتُ أكتُب بالقَلم)..!
إنَّك تَسمع وتَقرأ عَن تَشكّي مِن قلّة الحَنَان، حَيثُ تَسمع كَثيراً عبَارة: "أنَا نَاقص حنَان"؛ في كَثير مِن المَجَالس التي يَرتادها الإنسَان، وفي هَذا السِّياق؛ جَاءت أُغنية "عبدالمجيد عبدالله": "خلّص حَنَانك"، للشّاعر "تركي" التي يَقول في مَطلعها:
خلّص حَنانك مَا بقى إلَّا قَسوتك
اقسَى عَليَّ اقسَى حَلالك فَدوتك
وكَأنَّ الحَنَان رَصيد بَنكي يَصل لدَرجة الإفلَاس..!
في النهاية أقول:
يَا قَوم، إنَّ الحَنَان عَاطفة رُوحيّة، وطَاقَة إيجَابيّة تَزيد بالتَّبادُل، وتَضعف بالأنَانية والجَفَاف والقَسوَة، لذَلك كُونُوا حَنونين، وإن لَم تَستطيعوا فتَصنّعوا الحَنَان، وتَأكّدوا مِن شَحنه في عَواطفكم، كَما تشحنون هَواتفكم الجوّالة، وتَبادلوه مَع مَن تُحبّون، وستَلمسون الفَرق بَعد أيَّام قَليلة؛ مِن تَشغيل خَاصيّة الحَنَان..!!!